قال رحمه الله تعالى: [قوله: (ولا يشبه الأنام) هذا رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع، فمن كلام أبي حنيفة -رحمه الله- في الفقه الأكبر: لا يشبه شيئاً من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه.
ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا.
انتهى.
وقال نعيم بن حماد: من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.
وقال إسحاق بن راهويه: من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم.
وقال: علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة، بل هم المعطلة.
وكذلك قال خلق كثير من أئمة السلف: علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة؛ فإنه ما من أحد من نفاة شيء من الأسماء والصفات إلا يسمي المثبت لها مشبهاً، فمن أنكر أسماء الله بالكلية من غالية الزنادقة القرامطة والفلاسفة، وقال: إن الله لا يقال له: عالم ولا قادر؛ يزعم أن من سماه بذلك فهو مشبه؛ لأن الاشتراك في الاسم يوجب الاشتباه في معناه، ومن أثبت الاسم وقال: هو مجاز -كغالية الجهمية- يزعم أن من قال: إن الله عالم حقيقة، قادر حقيقة؛ فهو مشبه، ومن أنكر الصفات وقال: إن الله ليس له علم ولا قدرة ولا كلام ولا محبة ولا إرادة؛ قال لمن أثبت الصفات: إنه مشبه، وإنه مجسم.
ولهذا كتب نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والرافضة ونحوهم كلها مشحونة بتسمية مثبتي الصفات مشبهة ومجسمة].
الرافضة -كما هو معلوم- هم أول من قال بالتشبيه والتجسيم كما قالت اليهود، فأول من أعلن التشبيه والتجسيد الكفري الذي استعاذ منه السلف وكفروا أصحابه هم طوائف من الرافضة، كـ هشام بن سالم الجواليقي وهشام بن الحكم وداود الجواربي ومن نحا نحوهم، هؤلاء كلهم رافضة، بل كان التشبيه في آخر القرن الثاني الهجري وما بعده لا يعرف إلا في الرافضة، ثم بعد ذلك - أي: في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع - تحولت الرافضة إلى جهمية معطلة وانقسمت فيما بينها، فلما تحولت إلى جهمية معطلة سمت أهل السنة بالحشوية والمشبهة؛ لأنهم أخذوا بمذهب المعتزلة والجهمية، أي: صاروا معتزلة في أصول الاعتقاد.