قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله: (ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19].
وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينَاً} [المائدة:3]، وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس)].
سيذكر المؤلف رحمه الله بعض الأحاديث الدالة على أن دين الله هو الإسلام، ومعنى ذلك، لكن قبل أن نقرأ الشرح أحب أن أشير إلى شبهة حدثت في هذا العصر، بل أصبحت الآن ليست مجرد شبهة بقدر ما تكون أصلاً من أصول الباطل، التي يروج لها كثير من المبطلين، وهي دعوى: أن الديانات السماوية يجب ألا يكون بينها فرق في العصر الحاضر، وأن أهل الديانات يجب أن يعترف بعضهم لبعض بصحة دياناتهم جميعاً، ورفعوا دعوى وحدة الأديان، ودعوى وحدة الديانات الإبراهيمية، ودعاوى كثيرة، كلها تدور على اعتبار أن كل الديانات الكتابية اليهودية والنصرانية والإسلام تمثل ديناً واحداً صحيحاً، لا فرق بين أصوله وفروعه، وهذا باطل.
وسيأتي من خلال الشرح أن المقصود بأن دين الله واحد: أن الله بعث جميع الرسل بالتوحيد، وهذا حق، وأن الله بعث جميع الرسل بالشرائع، وهذا حق، لكن مما هو معلوم من الدين بالضرورة أن الأديان السابقة حرفت، بما فيها ديانات أهل الكتاب اليهودية والنصرانية، حرفت وبدلت، ثم نسخت من عند الله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لجميع الأمم، بما في ذلك اليهود والنصارى، ويجب أن يؤمنوا به، وأما الديانات السابقة بما فيها دين موسى وعيسى، اشتملت على وجوب الخضوع لدين النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به، والديانات الكتابية اشتملت على ضرورة أن يكون الإسلام هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، هذا أمر.
والأمر الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن اليهود بخصوصهم، وغيرهم من باب أولى، أنه لا يستقيم لليهود ولا للنصارى دين حتى يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم، فقال في الحديث الصحيح: (والله لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي، إلا دخل النار) فهو صلى الله عليه وسلم أقسم بذلك: (والله)، وفي بعض الروايات بدون القسم، لكن المهم أن الحديث صحيح ورد في مسلم وفي غيره، فعلى هذا لا يصح أن يقال أن الديانات الإبراهيمية واحدة؛ لأنها حرفت وبدلت، ثم أن الله عز وجل ألزم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد صلى الله عليه وسلم جاء بشريعة غير الشرائع الأولى، هي أكمل وأوفى وأوفر وأصفى وأسمى وأسلم، ولم يدخلها التحريف ولا التبديل، وقد تكفل الله بحفظها إلى قيام الساعة، وأمر الله جميع الأمم، بل أمر الله الجن والإنس بأن يؤمنوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وأشير إلى المسائل الخطيرة الواردة على الأمة، وهي دعاوى: أن من مات من أهل الكتاب فمصيره إلى الجنة، وأن من صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال بأنه رسول وإن لم يتبعه فهو مؤمن وهو مسلم إلى آخرها من الدعاوى التي بدأت تروج الآن، وقد كانت تروج في السابق، لكن في السابق كان عند المسلمين من حصانة العقيدة وقوة الإيمان والفقه في دين الله عز وجل -عامة وخاصة- ما يجعلهم لا يقبلون هذه الدعاوى، ولكن في العصر الحاضر عندما اختلفت الثقافات، وكثرت مصادر التلقي عند الناس، وتزعم المثقفون بغير فقه في دين الله الدعوة إلى الله عز وجل، وبدءوا يتكلمون باسم الدين، كثر هذا الهرج، وبدأ الخوض، ووقع كثير من المسلمين في هذه الشبهات، حتى إنها أحياناً تصدر هذه الإشكالات من طلاب العلم، كما يثار الآن مسألة الكافر واليهودي والنصراني إذا مات، وعندما مات بعض أعلام الكفار كأحد اليهود وأحد النصارى، خاض الناس خوضاً عجيباً يدل على جهلهم ببدهيات الدين، وحتى قال بعضهم: إنه يحكم على هؤلاء بالإسلام، وبعضهم يقول: نتورع بأن نقول: هم كفار وأنهم من أهل النار إلى غير ذلك من الأمور التي تدل على أن مسألة العقيدة بدأت تهتز في قلوب الناس اهتزازاً عظيماً، يخشى منه أن يقع بعض الناس في ردة وهو لا يشعر، نسأل الله العافية.
قال رحمه الله تعالى: [ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد).
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] عامٌّ في كل زمان؛ ولكن الشرائع تتنوع كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً} [المائدة:48].
فدين الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله، وأصول هذا الدين وفروعه موروثة عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، يُمْكِنُ كل مميز من صغير وكبير، وفصيح وأعجم، وذكي وبليد، أن يدخل فيه بأقصر زمان، وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك، من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو