أصناف الناس في اعتقاد وجود الجن وبيان وجه الحق في ذلك

قال رحمه الله تعالى: [والناس من أهل العلم فيهم على ثلاثة أحزاب: حزب يكذبون بوجود رجال الغيب، ولكن قد عاينهم الناس، وثبت عمن عاينهم أو حدثه الثقات بما رأوه، وهؤلاء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم خضعوا لهم.

وحزب عرفوهم ورجعوا إلى القدر، واعتقدوا أن ثم في الباطن طريقاً إلى الله غير طريقة الأنبياء.

وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا ولياً خارجاً عن دائرة الرسول، فقالوا: يكون الرسول هو ممداً للطائفتين، فهؤلاء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه.

].

كل هذه الآراء باطلة، ليس فيها رأي يمثل الحق ولا أهل الحق، وإنما هي آراء موزعة بين الصوفية والفرق والأهواء والباطنية والفلاسفة وغيرهم.

أما قوله: (والناس من أهل العلم فيهم) يعني: الذين يدعون العلم من هؤلاء الضالين.

قال رحمه الله تعالى: [والحق أن هؤلاء من أتباع الشياطين، وأن رجال الغيب هم الجن، ويسمون رجالاً، كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6] وإلا فالإنس يؤنسون، أي: يشهدون ويرون، وإنما يحتجب الإنسي أحياناً لا يكون دائماً محتجباً عن أبصار الإنس، ومن ظن أنهم من الإنس فمن غلطه وجهله، وسبب الضلال فيهم وافتراق هذه الأحزاب الثلاثة، عدم الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن.

ويقول بعض الناس: الفقراء يسلم إليهم حالهم].

الفقراء هنا هم النساك والعباد والجهلة من الصوفية ومن سلك سبيلهم، ومن أسماء الصوفية أهل البدع الفقراء، وقد ينطبق أحياناً هذا الوصف على بعض العبّاد أهل الاستقامة، لكن تسميتهم بفقراء غير صحيح، كما أن تسميتهم بالصوفية والنساك غير صحيح، قد يسمون عباداً؛ لأن العبادة من الأمور المشروعة لله عز وجل، لكن تسميتهم نساكاً، وتسميتهم صوفية، وتسميتهم فقراء متفكرة دراويش كل ذلك من التسميات البدعية، والغالب أنها تنطبق على أهل الجهل والبدع فيهم.

ويقولون عمن يسمون بالفقراء: قد يسلم إليهم حالهم، وأنهم ما يعملون إلا خيراً، وأن كل تصرفاتهم لا بد أن تفسر بتفسير يؤدي إلى إعذارهم فيها؛ ولذلك يظن كثير من المريدين والمغترين بالصوفية أن هذا الصنف لا يعمل إلا خيراً، وإن ظهر منه ما هو شر فإنه يفسر بتفسيرات أخرى لها معان باطنية، ومصطلح الفقراء جعل المنظرين للصوفية وكتاب المقالات والمترجمين لرجالات الصوفية جعلهم يفسرون ما يحدث من بعض الزنادقة الصوفية وغيرهم من معاص بتفسيرات باطنية، جعلوا جرائمهم ومعاصيهم حتى المغلظة على أنها كرامات لأنهم يقولون: يسلم إليهم حالهم.

فيقولون بأن الله عز وجل يدفعهم لهذه الأمور من غير شعور، أو فتنة للناس، لكن هم حالهم على الاستقامة، حتى تجد منهم من لا يصلي الفرائض أبداً، بل لا يصلي إطلاقاً، ثم يزعمون أن روحه تذهب إلى البيت الحرام وتصلي هناك، وقد يجلس يتناول بعض الشهوات أمام المصلين ويقولون: هذا روحه في الكعبة، وقد يتناول الخمر، وقد يفجر، ويقولون: هذا من كراماته، ويدعون له بالرحمة، كما يفعل الشعراني.

فهذا مبني على قولهم: الفقراء يسلم إليهم حالهم.

ثم تطورت المسألة إلى أن جعلوا كبار رجالهم يسلم إليهم حالهم بإطلاق، وأن ما يكون منهم إلا خير، حتى الجرائم والشرك والفساد في الأرض يفسرونه بأنه خير.

قال رحمه الله تعالى: [ويقول بعض الناس: الفقراء يسلم إليهم حالهم.

وهذا كلام باطل، بل الواجب عرض أفعالهم وأحوالهم على الشريعة المحمدية، فما وافقها قبل، وما خالفها رد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

وفي رواية: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر).

فلا طريقة إلا طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا عقيدة إلا عقيدته، ولا يصل أحد من الخلق بعده إلى الله وإلى رضوانه وجنته وكرامته إلا بمتابعته باطناً وظاهراً.

ومن لم يكن له مصدقاً فيما أخبر، ملتزماً لطاعته فيما أمر، في الأمور الباطنة التي في القلوب، والأعمال الظاهرة التي على الأبدان؛ لم يكن مؤمناً، فضلاً عن أن يكون ولياً لله تعالى، ولو طار في الهواء، ومشى على الماء، وأنفق من الغيب، وأخرج الذهب من الجيب، ولو حصل له من الخوارق ماذا عسى أن يحصل، فإنه لا يكون مع تركه الفعل المأمور وعمل المحظور، إلا من أهل الأحوال الشيطانية المبعدة لصاحبها عن الله تعالى، المقربة إلى سخطه وعذابه، لكن من ليس يكلف من الأطفال والمجانين، قد رفع عنهم القلم، فلا يعاقبون، وليس لهم من الإيمان بالله وتقواه باطناً وظاهراً ما يكونون به من أولياء الله المقربين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين، لكن يدخلون في الإسلام تبعاً لآبائهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015