قال رحمه الله تعالى: [فالخوارق النافعة تابعة للدين خادمة له].
أي: أن الخوارق والكرامات التي تحدث للمسلمين، من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، هي جزء من تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الآيات والدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم، وإقامة الحجة على الخلق؛ لأن المسلم المستقيم إنما تحصل له الكرامة باتّباعه للسنة، فهذا الأمر ينعكس على قوة الحجة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين، وكذلك المال النافع، كما كان السلطان والمال النافع بيد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فمن جعلها هي المقصودة، وجعل الدين تابعاً لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل، فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين، وليس حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة، فإن ذلك مأمور به، وهو على سبيل نجاة، وشريعة صحيحة.
والعجب أن كثيراً ممن يزعم أن همّه قد ارتفع عن أن يكون خوفاً من النار، أو طلباً للجنة، يجعل همّه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا! ثم إن الدين إذا صح علماً وعملاً، فلا بد أن يوجب خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3].
وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29].
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء:66 - 68].
وقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:62 - 64].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:75]) رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وقال تعالى فيما يروي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال عبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه).
فظهر أن الاستقامة حظ الرب، وطلب الكرامة حظ النفس، وبالله التوفيق.