قوله: (ثم لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
أي: ونثبت الخلافة بعد أبي بكر لـ عمر رضي الله عنهما].
يعني: نحن بصدد الحديث عن ترتيب الخلفاء الراشدين في الخلافة، لكن ينبغي أن يستصحب الترتيب الآخر، وهو أن ترتيبهم في الفضل جاء هكذا، ولم يكن بالضرورة أن يكون ترتيبهم في الخلافة ناتجاً عن ترتبيهم في الفضل، لكنه وقع هكذا، ولعل الصحابة رضي الله عنهم جميعاً سددوا ووفقوا في اختيار الأفضل فالأفضل فالأفضل، فكما أن الأربعة ترتيبهم في الأفضلية هكذا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فكذلك ترتيبهم في الخلافة جاء هكذا، وإن كان ليس ترتيب الخلافة من لوازم ترتيب الأفضلية، لكنه وقع كما قلت، وذلك من توفيق الله للصحابة رضي الله عنهم.
وكان الناس في وقت عثمان رضي الله عنه خاضوا في أيهما أفضل علي أو عثمان، ولم يترددوا في أفضلية أبي بكر وعمر، وبعد قتل عثمان رضي الله عنه، بقي الأمر محل نزاع، ثم استقر بعد ذلك باتفاق الصحابة وباتفاق التابعين وتابعيهم وأئمة السلف وإلى أفضلية الخلفاء الراشدين في الإمامة كأفضليتهم في الأفضلية المطلقة، وأن أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وانتهت المقولة التي كان عليها بعض السلف قديماً من تفضيل علي على عثمان، مع اعترافهم بإمامة عثمان، فإنهم كانوا يفضلون علياً على عثمان، ثم تركوا هذا التفضيل بعد توارد النصوص؛ لأنه لما أثيرت القضية روى الصحابة رضي الله عنهم وروى رواة الحديث من الثقات ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الأربعة من الصحابة، فتبين للسلف اتفاقاً أن عثمان أفضل من علي، وأن النصوص الواردة في أفضليته أكثر من النصوص الواردة في أفضلية علي وفي كل خير، ولا شك أنهم الخلفاء الراشدون، وأنهم خير الصحابة بإطلاق، وهم من العشرة المبشرين بالجنة, وتفضيل الفاضل لا يعني استنقاص المفضول.
قال رحمه الله تعالى: [أي: ونثبت الخلافة بعد أبي بكر لـ عمر رضي الله عنهما؛ وذلك بتفويض أبي بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه، وفضائله رضي الله عنه أشهر من أن تنكر، وأكثر من أن تذكر.
فقد روي عن محمد بن الحنفية أنه قال: قلت لأبي: يا أبت، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بني، أوما تعرف؟ فقلت؟ لا، قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول: ثم عثمان! فقلت: ثم أنت؟ فقال، ما أنا إلا رجل من المسلمين.
وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر).
وفي صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه، فإذا هو علي، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت كثيراً ما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو، أو لأظن أن يجعلك الله معهما).
وتقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزعه من القليب، ثم نزع أبي بكر، ثم استحالت الدلو غرباً، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن.
وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نساء من قريش يكلمنه، عالية أصواتهن -الحديث، وفيه-: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك).
وفي الصحيحين أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم)، قال ابن وهب: تفسير محدثون: ملهم