قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم الأنصار كلهم بايعوا أبا بكر، إلا سعد بن عبادة، لكونه هو الذي كان يطلب الولاية، ولم يقل أحد من الصحابة قط: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على غير أبي بكر؛ لا علي، ولا العباس ولا غيرهما، كما قد قال أهل البدع! وروى ابن بطة بإسناده أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير الحنظلي إلى الحسن، فقال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر؟ فقال: أو في شك صاحبك؟ نعم، والله الذي لا إله إلا هو استخلفه، لهو كان أتقى لله من أن يتوثب عليها.
وفي الجملة: فجميع من نقل عنه أنه طلب تولية غير أبي بكر، لم يذكر حجة دينية شرعية، ولا ذكر أن غير أبي بكر أفضل منه، أو أحق بها، وإنما نشأ من حب قبيلته وقومه فقط، وهم كانوا يعلمون فضل أبي بكر رضي الله عنه، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ففي الصحيحين، عن عمرو بن العاص: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وعد رجالاً).
وفيهما أيضاً، عن أبي الدرداء قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبتيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر، فسلم، وقال: إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر، ثلاثاً، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم هو؟ فقالوا: لا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين، فما أوذي بعدها)، ومعنى: غامر: غاضب وخاصم، ويضيق هذا المختصر عن ذكر فضائله.
وفي الصحيحين أيضاً، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح، -فذكرت الحديث إلى أن قالت-: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت في نفسي كلاماً قد أعجبني، خشيت ألا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب، وأعزهم أحساباً، فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس، فقال قائل: قتلتم سعد، فقال عمر: قتله الله].
والسنح: العالية، وهي حديقة من حدائق المدينة معروفة بها.