الأنبياء أكمل الناس توحيداً

قال رحمه الله تعالى: [فإن أكمل الناس توحيداً الأنبياء صلوات الله عليهم، والمرسلون منهم أكمل في ذلك، وأولو العزم من الرسل أكملهم توحيداً، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين].

لا شك في أن الرسل يتفاوتون، وإن كانوا في حقوقهم، لا فرق بينهم، فكلهم سواء في الحب والإيمان بأنهم رسل وأنبياء، والإيمان بعصمتهم وأنهم بلغوا رسالة الله إلى آخره، لكن من حيث درجتهم عند الله سبحانه وتعالى وفضلهم يتفاوتون.

وكون بعضهم أكمل في التوحيد لا يعني أن بعضهم أكثر توحيداً، لكن في جانب العبودية لله سبحانه وتعالى، ففي عبوديتهم لله تعالى قد يكون بعضهم أفضل من بعض.

قال رحمه الله تعالى: [وأكملهم توحيداً الخليلان محمد وإبراهيم صلوات الله عليهما وسلامه؛ فإنهما قاما من التوحيد بما لم يقم به غيرهما علماً ومعرفة، وحالاً ودعوة للخلق وجهاداً، فلا توحيد أكمل من الذي قامت به الرسول ودعوا إليه وجاهدوا الأمم عليه، ولهذا أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم فيه، كما قال تعالى بعد ذكر مناظرة إبراهيم قومه في بطلان الشرك، وصحة التوحيد وذكر الأنبياء من ذريته: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]، فلا أكمل من توحيد من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: (أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين)، فملة إبراهيم: التوحيد، ودين محمد صلى الله عليه وسلم: ما جاء به من عند الله قولا وعملا واعتقادا، وكلمة الإخلاص: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وفطرة الإسلام: هي ما فطر عليه عباده من محبته وعبادته وحده لا شريك له، والاستسلام له عبودية وذلاً وانقياداً وإنابة.

فهذا توحيد خاصة الخاصة، الذي من رغب عنه فهو من أسفه السفهاء، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:130 - 131].

وكل من له حس سليم وعقل يميز به لا يحتاج في الاستدلال إلى أوضاع أهل الكلام والجدل واصطلاحهم وطرقهم البتة، بل ربما يقع بسببها في شكوك وشبه يحصل له بها الحيرة والضلال والريبة، فإن التوحيد إنما ينفع إذا سلم قلب صاحبه من ذلك، وهذا هو القلب السليم الذي لا يفلح إلا من أتى الله به.

ولا شك أن النوع الثاني والثالث من التوحيد الذي ادعوا أنه توحيد الخاصة وخاصة الخاصة ينتهي إلى الفناء الذي يشمر إليه غالب الصوفية، وهو درب خطر يفضي إلى الاتحاد، انظر إلى ما أنشده شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري رحمه الله تعالى حيث يقول: ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015