قال رحمه الله تعالى: [ومن أسمائه تعالى (المؤمن)، وهو في أحد التفسيرين: المصدق الذي يصدق الصادقين بما يقيم لهم من شواهد صدقهم، فإنه لابد أن يري العباد من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته رسله حق، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]].
المقصود بالآيات الأفقية هي آيات الآفاق التي هي الآيات الكونية، آيات الله الظاهرة التي ترى وتسمع وتلمس الآيات أو البراهين والمخلوقات التي تدركها الحواس هي آيات الله الأفقية، أما الآيات النفسية فهي آيات الله في الإنسان نفسه، فينبغي أن يتأمل نفسه، سواء عقله وروحه وجسده، فالإنسان فيه من آيات الله الباهرات والدلائل القاطعة على عظمة الله سبحانه وتعالى وتدبيره وإلهيته وربوبيته ما يكفي الإنسان لو نظر في نفسه.
قال رحمه الله تعالى: [قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] أي: القرآن، فإنه المتقدم في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [فصلت:52]، ثم قال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:53]، فشهد سبحانه لرسوله بقوله: إن ما جاء به حق، ووعد أنه يري العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضاً، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك كله وأجل، وهو شهادته سبحانه على كل شيء؛ فإن من أسمائه (الشهيد) الذي لا يغيب عنه شيء ولا يعزب عنه، بل هو مطلع على كل شيء، مشاهد له، عليم بتفاصيله، وهذا استدلال بأسمائه وصفاته].
أسماء الله تعالى كلها لها معاني الكمال، بمعنى أن أسماء الله تعالى لا يوقف عند ألفاظها، بل لألفاظها معان عظمى تستنبط منها، فمثلاً: من معاني (الشهيد): الشاهد الذي يشهد الأمور بعلمه سبحانه وتعالى، وبسمعه وبصره، فالله عالم سميع بصير، وهذه شهادة للأشياء بالعلم والسمع والبصر، كما أن الله شهيد أيضاً بإشهاده الخلق على ما يشهد به من الحق، كما أنه -أيضاً- شهيد بإقامة ما تقوم به الحجة وبإقامة ما تقوم به الشهادة، وشهيد بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يشهد بالحق للحق.
قال رحمه الله تعالى: [وهذا استدلال بأسمائه وصفاته، والأول استدلال بقوله وكلماته، واستدلال بالآيات الأفقية والنفسية استدلال بأفعاله ومخلوقاته].
الاستشهاد بمثل (المؤمن) و (الشهيد) استدلال بأسماء الله وصفاته، والاستدلال بالسمع والبصر والعقل والمخلوقات المنظورة وغير المنظورة وبالنفس كالاستدلال بقول الله وكلماته، فالاستدلال بقول الله كالاستدلال بالقرآن والوحي، وكذلك منه الكلمات، والاستدلال بالآيات الأفقية التي هي آيات الكون المخلوقة، والنفسية التي هي آيات الله في نفس الإنسان، كما قال الله تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، وكذلك بأفعال الله تعالى، أي: بما يحدث في هذا الكون من أفعال الله تعالى التي تدل على عظمته سبحانه.