مما تحسن الإشارة إليه هنا أن هناك فرقاً بين محبة الله وبين المحبة في الله، ذلك أن محبة الله عز وجل لا تجوز إلا له سبحانه، التي هي محبة التقديس والعبادة، فمحبة التقديس والعبادة لا تجوز إلا لله سبحانه.
والنوع الثاني: هو المحبة في الله، بمعنى: أن يكون عند المسلم ميل فطري غريزي للخير وأهل الخير، فهذا أمر مشروع، بل ينبغي أن يكون لكل من يستحق المحبة، فكل مؤمن له من المحبة -كما ذكرت سابقاً- بقدر ما فيه من الولاية والخير.
وكون المسلم يحب الله ثم يحب أولياء هذا أمر لا تناقض فيه، فإن محبة الله إنما هي محبة التعظيم والتقديس والعبادة، أما محبة العباد فهي المحبة الفطرية، لكن المسلم المستقيم على الحق ترتبط محبته بما يحبه الله، والذي ليس عند استقامة قد يحب ما لا يحب الله، وهذا انحراف، لكنه إذا أحب غير الله محبة تقديس وعبادة وقع في الشرك، وإذا أحب غير الله محبة ميل وغريزة شهوانية ونحوها فهذا هوى، لكنه دون الشرك.
إذاً: محبة الله لا يشرك فيها غيره، وهي محبة التقديس ومحبة العبادة، أما المحبة الأخرى الغريزية فمنها ما هو مرتبط بالدين، ومنها ما هو غريزي بحت، فالمحبة التي ترتبط بالدين هي محبة الخير وأهل الخير وما يحبه الله عز وجل، والمحبة الغريزية البحتة حي محبة الأشياء، فالله عز وجل فطر العباد على محبة الأولاد والأموال والأزواج، فهذه محبة غريزية جائزة إذا لم يتعد فيها الإنسان حدود ما يشرع، فإذا تعدى فيها حدود ما يشرع وقع إما في البدعة وإما في الشرك وإما في الشهوة.
قال رحمه الله تعالى: [والحب والبغض بحسب ما فيهم من خصال الخير والشر، فإن العبد يجتمع فيه سبب الولاية وسبب العداوة، والحب والبغض، فيكون محبوباً من وجه مبغوضاً من وجه، والحكم للغالب، وكذلك حكم العبد عند الله؛ فإن الله قد يحب الشيء من وجه ويكرهه من وجه آخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه)، فبين أنه يتردد؛ لا أن التردد تعارض إرادتين، وهو سبحانه وتعالى يحب ما يحب عبده المؤمن، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت فهو يكرهه، كما قال: (وأنا أكره مساءته)، وهو سبحانه قضى بالموت، فهو يريد كونه، فسمى ذلك ترددا، ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك؛ إذ هو يفضي إلى ما هو أحب منه].