شبهتهم: أن الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، ومثلها يوزن بميزان معنوي، هو العدل وإنما يقبل الوزن الأجسام، والله لا يحتاج إلى الميزان، ولا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال.

الرد عليهم بأن الله يقلب الأعراض أجساما، كما في حديث البراء بن عازب أن العمل يمثل في القبر لصاحبه إنسانا حسنا، أو قبيحا مع أن العمل معنوي وكما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالموت كبشا أغر، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة فيشرئبون، وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح، ويقال خلود، فلا موت) فهذا الموت معنوي قلب جسما، وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات غير ملتفت إليه، ومنشأ ضلال المؤولين للميزان، هي قياس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال حسي له كفتان حسيتان مشاهدتان، ومن أدلة ذلك حديث البطاقة وفيه (توضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة) .

ثانيا: وفي الترمذي في سياق آخر (توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة) الحديث، وفي هذا السياق فائدة جليلة، وهي أن العامل يوزن مع عمله، وهو دليل على أن الميزان له كفتان حسيتان.

ثالثا: روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، قال اقرءوا إن شئتم {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) } ) وقال -عليه الصلاة والسلام- في ساقي ابن مسعود (والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد) .

وقد وردت الأحاديث -أيضا- بوزن الأعمال أنفسها، منها حديث أبي مالك الأشعري في صحيح مسلم (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان) ومنها في الصحيح، وهو خاتمة كتاب البخاري: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) .

فهذه الأدلة السابقة تدل على وزن الأشخاص والأعمال وصحائف الأعمال بميزان حسي، له كفتان حسيتان، فثبت وزن الأعمال والعامل وصحف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان، والله أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات.

الحكمة في وزن الأعمال بالميزان الحسي:

قال الثعلبي: الحكمة في ذلك تعريف الله عباده ما لهم عنده من الجزاء، من خير، أو شر، وقيل: بل الحكمة في وزن الأعمال ظهور عدل الله -سبحانه- في جميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين، ومنذرين، ومن الحكمة -أيضا- بيان فضل الله، وأنه يزن مثاقيل الذر من خير، أو شر قال تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) } وفيه إدخال البشر والسرور على المؤمنين، وراء ذلك أيضا من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه.

الترتيب في الحساب والميزان أيهما يكون قبل الآخر مع التوجيه؟

قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ وذلك لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحسبها.

والترتيب في الميزان والحوض والصراط:

اعلم أن مراتب المعاد والبعث والصراط والحساب والحوض والميزان ما يلي معاد وبعث، ونشور، ثم القيام لرب العالمين، ثم الحوض، ثم العرض، ثم تطاير الصحف وأخذها باليمين والشمال، ثم الميزان، ثم المرور على الصراط، ثم الوقوف على القنطرة بين الجنة والنار، وجعل القرطبي في التذكرة هذه القنطرة صراطا.

ثانيا: للمؤمنين خاصة، وليس يسقط فيه أحد في النار، فيكون الترتيب هكذا:

بعث، فقيام، فحوض، فحساب، فصحف، فميزان، فصراط، فقنطرة، فالجنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015