ومنشأ الإشكال الوهم من بعض الرواة، حيث اشتبه عليه أن هذه الصعقة هي صعقة النفخة، وأن موسى داخل في من استثنى الله، فأبدل قوله: (فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) بقوله: (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل) .

وحل الإشكال رد الحديث إلى أصله، فالمحفوظ الذي تواترت عليه الروايات الصحيحة هو: (فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) وعليه المعنى الصحيح، فإن الصعق يوم القيامة لتجلي الله لعباده، إذا جاء لفصل القضاء، وموسى -عليه الصلاة والسلام- إن كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل، فجعله دكا، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضا عن صعقة الخلائق لتجلي الرب يوم القيامة، فتأمل هذا المعنى العظيم، وأما قوله: (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل) فلا يلتئم على مساق الحديث قطعا، فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البعث، وكيف يقول: لا أدري أبعث قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟

فتأمل، وممن نبه على هذا الحافظ أبو الحجاج المزي، والحافظ العلامة ابن القيم، والحافظ عماد الدين ابن كثير، نبهوا على هذا الوهم من الرواة، وأنه دخل على الرواة حديث في حديث، والصعق نوعان: صعق البعث، وسببه هو النفخ في الصور، ووقته يوم القيامة، والثاني: صعق التجلي، وسببه تجلي الله للخلائق، ووقته في موقف يوم القيامة.

والنفخ في الصور، نفختان على الصحيح، وقال بعضهم: ثلاث نفخات نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة الموت، والصواب: أن نفخة الفزع، ونفخة الصعق نفخة واحدة نفخة طويلة، يطولها إسرافيل أولها: فزع وآخرها موت، وأما الحديث الذي فيه إثبات ثلاث نفخات، فهو حديث ضعيف، فأولها النفخة الأولى، نفخة الفزع أولا، ويتغير بها هذا العالم، ويفسد نظامه، ويسير الله الجبال، وترتج الأرض بأهلها رجا، وتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج، وتميد الأرض بالناس على ظهرها، تذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتثور الشياطين هاربين من الفزع، حتى تأتي الأقطار فتتلقاها الملائكة، وتضربها في وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين، فينادي بعضهم بعضا وذلك قول الله تعالى: {التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} وتتصدع الأرض، وتكون السماء كالمهل، فيرى الناس أمرا عظيما، وهي المشار إليها بقوله تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) } أي من رجوع، ومرد، وقوله {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قيل: المستثنى ملك الموت وجبريل وميكائيل وإسرافيل، وقيل: غير ذلك، وإنما يحصل الفزع لشدة ما يقع من هول تلك النفخة، ثم يكون آخرها صعق وموت، وفيها هلاك كل شيء، كما قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وقد فسر الصعق بالموت.

النفخة الثانية: نفخة البعث والنشور، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات تدل عليها كقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) } وقوله سبحانه: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) } وقوله: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) } قال المفسرون: المنادي إسرافيل -عليه الصلاة والسلام- ينفخ في الصور، وينادي: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، والمكان القريب صخرة بيت المقدس، وبين النفختين أربعون.

والعرض أنواع: عرض أعمال، أو صحف، وعرض الناس على جهنم وعرض جهنم على الناس، وعرض على الله، قد يعرض بالعمل مع الصحيفة، وقراءة الكتاب، صحف الأعمال جمع صحيفة، وهي الكتب التي كتبتها الملائكة، وأحسن ما فعله كل إنسان من سائر عمله في الدنيا: القولية والفعلية، وغيرها وإنما يؤتى بالصحف؛ إلزاما للعباد ودفعا للجدل والعناد، قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) } قال العلماء: معنى طائره: عمله وفي الآية الأخرى: {فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) } وهو القسم الذي فيه شق النواة، وهذا يضرب مثلا للشيء الحقير.

وأما الصراط فهو لغة: الطريق الواضح، ومنه قول جرير:

أمير المؤمنين على صراط *** إذا اعوج الموارد مستقيما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015