أما المجمل: فهو تجنب الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفعها أن يجلس الرجل -عندما يريد النوم- لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحا بينه وبين الله فينام على تلك التوبة، ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبل للعمل مسرورا بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولا سيما إذا عقَّب ذلك بذكر الله واستعمال السنن، التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم، حتى يغلبه النوم، فمن أراد الله به خيرا وفقه لذلك، ولا قوة إلا بالله.

وأما السبب المفصل: فهو مما دلَّت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ينجي من عذاب القبر، فمنها:

أولا: ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجرى عليه عمله، الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتَّان) .

ثانيا: في جامع الترمذي حديث فضاله بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر) .

وثالثا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في سورة الملك، هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر، ومنها ما في سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: (مَن مات مقتولا، مات شهيدا، ووقي فتنة القبر) .

ومن مباحث عذاب القبر ونعيمه:

ما يتعلق بذلك السؤال في القبر من الملكيين:

هل هو للروح أم ماذا؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الأحاديث الصحيحة المتواترة، تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال، وسؤال البدن بلا روح قول قاله طائفة من الناس، وأنكره الجمهور، وقابلهم آخرون، فقالوا: السؤال للروح بلا بدن، وهذا قاله بن مُرة وابن حزم، وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده، ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص، وترجيح مذهب الجمهور أنه للروح والبدن، قالوا: قد كفانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر هذه المسألة وأغنانا عن أقوال الناس، حيث صرح بإعادة الروح إليه في أحاديث كثيرة: منها أولا:

حديث البراء بن عازب، وفيه (فتعاد الروح في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، وعملت به، وصدقت) وفي قصة العبد الكافر، (فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيقولان له من ربك فيقول: هاها لا أدري، ويقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاها لا أدري..) الحديث، وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة، والحديث بسائر الطوائف، قال ابن منده -بعد سياق حديث البراء-: هذا حديث ثابت مشهور مستفيض، صححه جماعة من الحفاظ، ولا نعلم أحدًا من أئمة الحديث طعن فيه، بل رووه في الكتب، وتلقوه بالقبول، وجعلوه أصلا من أصول الدين في عذاب القبر، ونعيمه، ومسائلة، ومنكر، ونكير، وقبض الأرواح، وصعودها بين يدي الله، ثم رجوعها إلى القبر.

ثانيا: ما ذكره البخاري عن سعيد عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم..) إلى قوله: (وأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقول له: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا) .

ثالثا: وفي صحيح ابن أبي حاتم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قبر أحدكم، أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما منكر والآخر نكير..) الحديث.

ومن مباحث السؤال في القبر:

هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار؟ أو يختص بالمسلم والمنافق؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015