والرسول يقع عليه الإرسال وهو الذي يسمى رسولا عند الإطلاق.

والله - عز وجل - جعل ملائكة مرسلين، وإذا قلنا الرسول فلا ينصرف بالإطلاق على المُبَلِّغ للوحي جبريل عليه السلام.

والله - عز وجل - أرسل الريح وأرسل المطر وأرسل أشياء من العذاب، ولا يقع عند الإطلاق أنْ يقال هذه مرسلة أو هذه رسالة الله أو هذه الأشياء رسول من إطلاق المفرد وإرادة الجمع به.

ولهذا نقول قد يقال عن هذه الأشياء كما جاء في القرآن، قد يقال عنها إنها مرسلة {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات:1] ، ولكن إذا أُطلق لفظ الرسول فلا ينصرف إلى من أُرْسِلَ من الملائكة وإنما ينصرف إلى من أرسل من البشر.

وهذا يدل على أنَّ الفرق قائم ما بين النبي وما بين الرسول، وأنّ النبي إرساله خاص وأنَّ الرسول إرساله مطلق.

فلهذا نقول دلّت آية سورة الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} على أنّ كلا من النبي والرسول يقع عليه إرسال.

فما الفرق بينهما من جهة التعريف؟

الجواب: أنَّ العلماء اختلفوا على أقوال كثيرة في تعريف هذا وهذا، ولكن الاختصار في ذلك مطلوب: وهو أنَّ تعريف النبي–وهي مسألة اجتهادية-:

النبي هو من أَوْحَى الله إليه بشرعٍ لنفسه أو أَمرَه بالتبليغ إلى قوم موافقين؛ يعني موافقين له في التوحيد.

والرسول: هو من أَوْحى الله إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه إلى قوم مخالفين.

وتلحظ أنَّ هذا التعريف للنبي وللرسول أَنه لا مَدْخَلَ لإيتاء الكتاب في وصف النبوة والرسالة، فقد يُعطى النبي كتاباً وقد يعطى الرسول كتاباً، وقد يكون الرسول ليس له كتاب وإنما له صحف {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:19] ، وقد يكون له كتاب.

فإذاً من جَعَلَ الفيصل أو الفرق بين النبي والرسول هو إيتاء الكتاب، وحي جاءه بكتاب مُنَزَّلْ من عند الله - عز وجل -، فهذا ليس بجيد، بل يقال كما ذكرت لك في التعريف أنَّ المدار على:

-النبي مُوحَى إليه، والرسول موحى إليه.

-النبي يوحى إليه بشرع أو بفصلٍ في قضية؛ شرع يشمل أشياء كثيرة، -وكذلك الرسول يوحى إليه بشرع.

-النبي يُوحى إليه لإبلاغه إلى قوم موافقين أو ليعمل به في خاصة نفسه كما جاء في الحديث (ويأتي النبي وليس معه أحد) (?) ، الرسول يُبعث إلى قوم مخالفين له.

ولهذا جاء في الحديث أن (العلماء ورثة الأنبياء) (?) ولم يجعلهم ورثة الرسل، وإنما قال (وإن العلماء ورثة الأنبياء) ، وذلك لأنّ العالم في قومه يقوم مقام النبي في إيضاح الشريعة التي معه، فيكون إذاً في إيضاح شريعته، في إيضاح الشريعة يكون ثَمَّ شَبَه ما بين العالم والنبي، ولكن النبي يُوحى إليه فتكون أحكامه صواباً؛ لأنها من عند الله - عز وجل -، والعالم يوضِحُ الشريعة ويعرض لحُكْمِهِ الغلط.

يتعلق بهذه المسألة بحث أنَّ الرسول قد يكون متابعاً لشريعة مَنْ قَبْلَهْ، كما أنَّ النبي يكون متابعاً لشريعة مَنْ قَبْلَهْ.

فإذاً الفرق ما بين النبي والرسول في إتباع الشريعة -شريعة مَنْ قَبْلْ- أَنَّ النبي يكون متابعا لشريعة مَنْ قَبْلَهْ، والرسول قد يكون متابعاً -كيوسف عليه السلام جاء قومه بما بعث به إبراهيم عليه السلام ويعقوب-، وقد يكون يُبْعَثُ بشريعة جديدة.

وهذا الكلام؛ هذه الاحترازات لأجل أنَّ ثمة طائفة من أهل العلم جعلت كل مُحْتَرَزٍ من هذه الأشياء فرقا ما بين النبي والرسول.

فإذاً كما ذكرت لكم:

- الكتاب قد يُعطاهُ النبي وقد يُعطاهُ الرسول.

- بَعْثُهُ لقوم موافقين أو مخالفين هذا مدار فرق ما بين النبي والرسول.

- الرسول قد يبعث بشريعة مَنْ قَبْلَهْ بالتوحيد بالديانة التي جاء بها الرسول لمن قبله، لكن يُرْسل إلى قوم مخالفين، وإذا كانوا مخالفين فلا بد أن يكون منهم مَنْ يُصَدِّقُهُ ويكون منهم من يُكَذِّبُه؛ لأنه ما من رسول إلا وقد كُذِّب، كما جاء في ذلك الآيات الكثيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015