فلهذا صار أعظم الجهاد: الجهاد بالعلم، أعظم من جهاد العدو الذي هو الجهاد غير المتعين، جهاد العلم أعظم؛ لأنَّهُ به حفظ الشريعة وليس حفظ الثغور أو حفظ بيضة أهل الإسلام بها، حفظ الشريعة وبقاء هذه الشريعة للناس حتى يتحقق قول الله - عز وجل - {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52] وأعظم ما يوغر العدو المحافظة على العلم والبقاء عليه، والآن بل قبل ذلك بأزمان إلى الآن الشهوات والحروب على الأبدان هذه فيها مد وجزر؛ يعني تارَةَ يقوى أمر المؤمنين وتارة يضعف، والله - عز وجل - يقول {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] لكن الصِّيال على العلم وعلى الكتاب والسنة وعلى دلائل ذلك وإلقاء الناس في الشُّبَهْ وبعدهم عن دلائل الشرع هذا هو الذي يزيل الإيمان والذي به تحصل الشُّبَه ويَقْوَى جانب الشيطان في البُعْدْ عن الدِّيَانة.

لهذا ما يتكلم فيه أهل العلم وخاصَّةً المحققين ليس من فُضُولِ العلم في مسائل الاعتقاد لأنَّ هذا بحسب الحال.

نعم قد يأتي زمان يكون فيه بحث بعض المسائل من الفضول؛ لأنَّهُ ليس ثَمَّ حافز إليها في ذلك الزمن، فيكون بقاؤها عند طائفة قليلة من أهل العلم كفرض كفاية؛ لكن بَحْثُهَا -وليس ثَمَّ حاجة إليها- ليس هذا من صنيع أهل العلم.

لذلك العلماء يذكرون للناس في كل زمان ما يحتاجون إليه، وليس كل ما يعلمون أو ليس كل ما في الكتاب ينقلون إليهم؟ لا، ما يحتاجون إليه بحسب ما يعلمون من الزمن وما فيه من مضادة للأدلة ونحو ذلك.

لهذا مثلاً تجد أنَّهُ عندنا في الدروس نُفَصِّلْ في أقوال الأشاعرة والماتريدية والردِّ عليها أكثر من أقوال المعتزلة؛ لأنَّ المعتزلة أقوالهم الباقية الآن أقوال قليلة مثل يعني بعض المسائل المشهورة، أما الآن أكثر التآليف وأكثر المضادَّةْ والذين ينسبون إلى السلف التأويل، إنما هي من جهة الأشعرية والماتريدية ونحو ذلك، فَفَهْمُ مذهبهم الآن لطلاب العلم لأجل كثرة الاختلاط وكثرة الكتب المؤلفة في التشكيك في حقيقة مذهب السلف، هذا هو المتعين، لهذا يختلف هذا باختلاف البلد واختلاف الزمان والمكان.

قد يذهب ذاهِبْ من طلاب العلم إلى بلد ويرى الحاجة فيها إلى تفصيل أقوال لا يحتاجها بلد آخر في بعض المسائل، يكون في بلد الناس لا يعلمون، فَذِكْرُهَا والتفصيل فيها ليس من المناسب.

فطالب العلم يكون ربانياً يُعَلِّمْ الناس ما يحتاجون إليه في جهادهم في فهمهم للشريعة وفي جهادهم ضدّ الذين عقدوا ألوية البدعة.

س2/ من قَسَمَ الدعاء إلى دعاء عبادة ودعاء مسألة، أين دعاء الثناء؟

ج/ دعاء الثناء هو دعاء العبادة، لأنَّ الثناء على الله - عز وجل - عبادة، فإذا أثنى على الله - عز وجل - في دعائه فدعا دعاء عبادة.

س3/ ذكرتم في كتابكم المنظار أنَّ الخوف من الجن يدخل في خوف السِّرْ الذي عَدَّهُ العلماء من الشرك الأكبر، فهل هذا على إطلاقه؟ وهل ينطبق ذلك على من يخاف إيذاء الجن في المناطق الموحشة كالصحاري والبيوت المهجورة؟

ج/ لا، خوف السر ضَبَطَهُ العلماء في شرح كتاب التوحيد في مسألة الخوف.

خوف السر: أن يخاف المرء من غير الله - عز وجل - في إيصال الأذى إليه بدون سبب.

هذا هو الذي يختص الله - عز وجل - به، الله - عز وجل - يُقَدِّرْ على العبد مرض بدون سبب يعلمه، يُقَدِّرْ الموت بدون سبب بدون ما يعلم، أما إذا كان الشيء له سبب ظاهر أو كان له سبب؛ لكنه يخشى أن يكون الجني يتسبب فيه فيما، ويكون سبب طبيعي مثل الخوف من الدخول في الأماكن المهجورة أو في الظلام أو نحو ذلك يخاف من الشياطين أو الجن هذه أسباب.

لكن خوف السر أن يخاف أن يناله الولي أو أن يناله الجني أو نحو ذلك بغير سبب؛ يعني أن يعتقد أنَّ عنده قوة وتَصَرُّفْ حيث يؤذيه بدون سبب.

هذا ليس بحاصل ما ممكن للجني أن يؤذي العباد بدون سبب، الجني هو مثل الإنسي ما يؤذي بدون سبب.

فإذا خاف أن يوصله إلى الإيذاء بدون أسباب يعني لا اعتداء من الإنسي ولا فعل أو شيء يدل عليه من الجني، فهذا لا يجوز.

وإذا كان الخوف -الخوف الطبيعي- ليس خوف اعتقاد وإنما ناتج عن ضعف الإنسان، وليس خوف اعتقاد في الجن وإنما يخاف من إيذائهم واعتدائهم في مثل البيوت، فهذا قد يدخل في الخوف الطبيعي الذي يخشاه الإنسان ولا يدخل في الخوف المحرم ولا في الخوف الشركي.

فإذاً المسألة ليس على إطلاقها لكن يوضحها لك ضابط خوف السر الذي وصفته لك.

س/ [......]

بدون سَبَبٍ يمكنهم أن يعملوه، ليس بدون سبب ظاهر، قد يقول هو سبب خفي، قد يعمل ويقول للجني سبب خفي ما أدري عنه، لكن هو بدون سبب يمكنهم أن يعملوه.

مثل مثلاً أن يتسلط الجني، يخاف من الجني أن يؤذيه دائماً، يخاف من الجني أن يتسلط على أولاده، لماذا يخاف؟ يخاف لاعتقاد ليس خوفاً طبيعياً، خوف اعتقاد، يعتقد الجن يتسلطون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015