الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

الأسئلة:

س1/ أليس البحث والتدقيق في بعض الأمور الغيبية والمستقبلية وكثرة المباحثات والمُطَارَحَات فيها، يعتبر من فضول العلم وإشغال النفس فيه إشغالٌ بالمفضول عن الفاضل، وذلك كبحث هل الحوض قبل الصراط أو بعده، وكبحث كفتي الميزان، وهل هما حقيقتان أم لا، ونحو ذلك من المسائل؟

ج/ هذا السؤال مفيد؛ لأنَّهُ يُنبِئْ عن رغبة في طريقة السلف في بحث المسائل العلمية العَقَدِيَّة، سواءٌ كانت من مسائل الغيب خالصةً أم من المسائل التي جرى فيها البحث.

والأصل لكل مؤمن أن يكون طالباً للحق الذي ذكره الله - عز وجل - في كتابه أو ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه.

وطلب الحق في هذه المسائل أو طلب العلم في معنى آي القرآن أو حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو طلب العلم النافع.

والآي والأحاديث التي فيها ذِكْرُ المسائل الغيبية، تارةً يكون بَحْثُ أهل العلم فيها فيما دلَّ عليه النص، وتارةً يكون البحث فيها من جهة الرد على الذي خالف النص.

أمَّا الأول كبحث الميزان مثلاً، هل له كفتان أم لا؟

فإنه جاء في القرآن أنَّ الميزان يُوضَعْ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47] ، وقال أيضاً {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} [المؤمنون:102-103] الآية، وكذلك قولك {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] .

وهذا فيه إثبات الميزان والموازين، وأنَّهَا توزن بها الأعمال، وأنَّهُ يعلَمُ الناس؛ يَعْلَمْ المؤمن إذا ثَقُلَ الميزان وإذا خفّ، وهذه الإيمان بها واجب لأنَّ الله - عز وجل - أخبر بها، هذه المسائل الغيبية، والسنة دلَّتْ على أنَّ الميزان له كفتان كما في أحاديث كثيرة، وأنَّ مقتضى الوزن أن يكون له كفتان.

لهذا من دار حول دِلَالَةْ الكتاب والسنة فهذا عقيدة، وليس من فضول العلم بل هذا من العلم النافع الذي يُؤْمَرْ طالب العلم بِتَتَبُّعِهِ والإيمان به؛ لأنَّهُ ما أخبر الله - عز وجل - به إلا ليُؤْمَنْ به ويُعْتَقَدْ، وما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إلا لأنَّهُ من العلم النافع.

أما المسألة الثانية أو الشق الثاني فإنَّهُم يبحثون في مسائل لم يَدُلَّ الدليل على عين المسألة ولكن لابد من الخوض فيها ردًّا على المخالفين.

الأصل في هدي الصحابة رضوان الله عليهم هو إمرار النصوص التي جاء في الكتاب والسنة والإيمان بها والعلم بذلك والحرص عليه وتتبع العلم في هذه المسائل، هذا ظاهر.

لكن تفصيلُ الكلام في مسائل لم يأتِ الدليل بها ومن جهة التعريفات ومن جهة الدلائل وبزيادة بعض الألفاظ الإيضاحية أو ذِكْرْ بعض المسائل الخلافية، مثل هل الحوض قبل أو الصراط قبل؟، وهذه المسائل ليس فيها نص عن الصحابة، ليس فيها قول واضح عنهم، ونَشَأَ القول في كثير من المسائل لأجل المخالفين، فكثير من مسائل الأسماء والأحكام التي يتكلم فيها الخوارج والمعتزلة لم يتكلم فيها الصحابة بالتفصيل، تكَلَّمْ فيها من بعدهم ردَّاً على هذه الفئات لمَّا قويت ولم يندحر شرها.

كذلك في مسائل القدر فإنَّ الصحابة تكلموا في الرد على القدرية النفاة الذين أنكروا العلم، واشْتَدَّ إنكارهم على ذلك وأتوا بالأدلة التي فيها إثبات أنَّ مِنْ قَدَرِ الله - عز وجل - علمه سبحانه وتعالى بالأشياء قبل حدوثها العلم السابق الأزلي وأن الأمر (?) ليس بمستأنف، بل كل شيء يجري بقدر.

ثم بعد ذلك أتى الذين ضلوا في هذا الباب فأتوا بمسائل جديدة.

فإذاً بحث أهل السنة والجماعة في المسائل ليس بحثاً فضولياً، وإنما هو بحث لتثبيت دلائل الكتاب والسنة بنفيه، لأنَّ الواجب الدفاع عن القرآن والسنة، وإبقاء دلالة القرآن والسنة وتوجيه الناس إلى الإيمان بهما وعدم البعد عنهما.

فإذا جاء من يُشَكِّكْ في دلالة الآية على العقيدة أو دلالة السنة على العقيدة بأقوال وتعريفات وَجَبَ الدخول معه بقدْرِ ما يُدْفَعُ به شره، والصائل يجب دفعه بحسب القدرة، والصِّيال العلم على أصول الشريعة على الكتاب والسنة هذا أعظم من الصِّيال على الأبدان لأنَّ الصيال على الأبدان مؤقت ويذهب بذهاب بعض الأبدان، لكن الصيال على الشريعة به تحريف الشرع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015