[المسألة الثالثة] :
دعاء العبد لله - عز وجل - وتَضَرُّعْ العبد عند الله - عز وجل - فيه أمور:
1- الأمر الأول: أنَّهُ تَعَرُضٌ لرحمة الله - عز وجل - ولآثار ربوبيته، فهو سبحانه وتعالى يُعْطِي من سأله ويجيب من دعاه - عز وجل -، لأنه هو الرب.
ولهذا قد يُعطي الله - عز وجل - الكافر كما أجاب دعاء إبليس، فقد يَمْرَضُ الكافر فيسأل الله - عز وجل - فيُشْفَى، وقد يَتَعَرَّضْ الكافر لمصيبة فيسأل الله - عز وجل - أن يكفيه شرها فيُجاب.
بل يأتي المشرك والخرافي والمشرك المتعلق بالأموات فيأتي عند القبر بقلب مُضطرّ فيسأل الله - عز وجل - بصاحب هذا القبر أو يسأل الله - عز وجل - ثُمَّ يسأل صاحب القبر، فيُجاب الدعاء لما في قلبه من الاضطرار لله - عز وجل -، ويكون في حقه ابتلاء ويكون أيضاً فتنةً للآخرين.
فإذن العطاء لا يقتضي الرضا عن المُعطَى، وإجابة الدعاء لا تقتضي الرضا عن من أُجِيبَ دعاه فهذا إبليس أُجِيبَ دعاه وقد دعا بأعظم دعوةٍ عنده وهي أن يطول عمره حتى يكون إلى يوم القيامة، {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي} يعني أمد في عمري {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:36] ، إلى أن ينتهي تكليف آدم وأبناءه، فأعطاه الله - عز وجل - هذا السؤال الذي لم يُعْطِهِ نبياً من الأنبياء في إطالة العمر إلى هذا الحد، وهذا كما أعطى الكفار بعض ما سألوا، وكما يُعْطِي بعض من يعبدون المسيح أو يعبدون عزيراً أو يعبدون غير الله، فيُعطيهم لأمر، لا لأجل كفرهم، ولكن لحكمةٍ يعلمها الله أو لأجل اضطرارهم أو لأنَّ هذا الإعطاء أصلاً من مقتضيات ربوبيته - عز وجل - لهم وهم بحاجة إليه، والله هو الذي خلقهم وجعل لهم قدَراً مقدورا.
2- الأمر الثاني: أنَّ الدعاء فيه إثباتْ لصفاتٍ كثيرة من صفات الرب - عز وجل -.
فمن دعا الله - عز وجل - بحق فإنه يستحضر إذ دعا، ولو لم يستحضر فإنَّ هذا متضمنٌ لدعائه:
- الصفة الأولى: أنَّهُ موقن بوجود الرب - عز وجل -.
- الصفة الثانية بأنه سبحانه وتعالى يسمع دعاءه مع أنه في عليائه - عز وجل -، وهو يهمس همساً لا يجهر، وهو يعتقد أنَّ الرب - عز وجل - سميعٌ لدعائه.
- الصفة الثالثة: يوقن أنَّهُ - عز وجل - قدير على إجابة دعائه.
- الصفة الرابعة: يوقن أنّه سبحانه وتعالى غني يُعْطِي بغير حساب.
- الصفة الخامسة: يوقن أيضا أنه - عز وجل - رحيم بعباده، فإن سؤال الرب - عز وجل - تَعَرُضٌ لآثار لرحمته سبحانه وتعالى.
- الصفة السادسة: يوقن بأنه سبحانه وتعالى حي، وهكذا.
فمن تأمل دعاء العبد، نَظَرَ في أنَّ في دعاء العبد أنواعاً من إثبات الكمالات للرب - عز وجل -، ولذلك يَضْعُفُ التوحيد إذا ترك العبد دعاء ربه - عز وجل -، وكلّما قلّ الدعاء، قَلَّ تعلُّقْ العبد بالله - عز وجل -، لأنّ آثار التوحيد على النفس والنور الذي يُقْذَفْ في القلب من آثار التعلق بالله - عز وجل - يضعف شيئاً فشيئاً.
3 - الأمر الثالث: الله - عز وجل - في إجابة الدعاء، وفي إعطاء الحاجة التي سُئِلَت، جعل لذلك شروطاً وجعل لذلك موانع.
فإنَّ العبد قد يسأل ولا يُعْطَى وقد يدعو دُعَاءَ سؤال ولا يُستَجَاب له في عين ما سأل؛ لأنه لم تكتمل الشروط في حقه أو قام مانِعٌ من الموانع، وهذا يتضح بمسألةٍ تأتي.
4- الأمر الرابع: أنَّ إجابة الدعوات وقضاء الحاجات ليس دليلاً على شيء، وإنما هو من جنس مطلق الإعطاء.
فكما أنَّ الله - عز وجل - جعل هذا على صفة، وهذا على صفة، وهذا على صفة؛ فإنه سبحانه، يُعْطِي هذا، ويُعْطِي هذا، ويعطي هذا. وقد -كما ذكرتُ لك- يُعْطِي فاسق ويُعْطِي المبتدع ويُعْطِي الفاسق، ويجيب دعاء هذا وهذا وربما هذا بأكثر وهذا بأكثر.
لكن يمتاز المؤمن والعبد الصالح وولي الله - عز وجل - أن يكون جواب الله - عز وجل - له وإعطاؤه لسؤاله -يعني إعطائه لما سأل-، عن محبَةٍ ورضا فيكون في حقه نعمة ولا يكون في حقه نقمة أو إبتلاء.
وهذا هو الذي جاء في حديث الولي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى (?)
: [[الشريط الثاني والأربعون]] :
وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه» (2) هذا عطاء محبة، «ولئن استعاذني لأعيذنه» هذه إعاذة محبّة ورضا.