فوجوده قريب وإن كانت مدته أو عمره طويل لكنه بالنسبة إلى الزمن بعامة -الزمن المطلق- لا شك أنه قريب لهذا قال ? (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) (?) - عز وجل -.
فالتقدير كان قبل أن يخلق هذه الخلائق، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهي مدة محدودة، والله - عز وجل - لا يَحُدُُّه زمان، فهو أول سبحانه وتعالى ليس قبله شيء - عز وجل -.
وفي هذا إقرار لأنه من جهة الأولية يتناهى الزمان في إدراك المخلوق، وننتقل من الزمان المنسوب إلى الزمان المطلق، وهذا تتقاصر عقولنا عنه وعن إدراكه.
وأما هذا العالم المنظور فإنه مُحْدَثٌ وحدوثه قريب.
ولهذا نقول إن قول الآشاعرة والماتريدية بأنه كان متصفاً بصفات وله الأسماء، ولكن لم تظهر آثارها ولم يفعل شيئاً إلا بعد أن أَوْجَدَ هذا العالم، نقول معناه أَنَّ ثَمَّ زماناً مطلقاً طويلاً طويلاً جداً ولم يكن الرب - عز وجل - فاعلا، ولم يكن لصفاته أثر ولا لأسمائه أثر في المربوبات.
ولا بد أنَّ الله - عز وجل - له سبحانه وتعالى من يعبده - عز وجل - من خلقه، ولا بد أن يكون له - عز وجل - مخلوقات؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، وهذه صفة مبالغة مطلقة في الزمن كله؛ لأنَّ (ما) اسم موصول وأسماء الموصول تعم ما كان في حيّز صلتها.
بَقي أنْ يقال إن قولهم (أراد ولكن إرادته كانت مُعَلَّقَة غير مُنْجَزَة) ونقول هذا تحكم؛ لأن هذا مما لا دليل عليه إلا الفرار من قول الفلاسفة ومن نحا نحوهم بِقِدَمِ هذا العالَم المنظور.
وهذا الإلزام لا يلزم أهل الحديث والسنة والأثر لأننا نقول إنَّ العوالِمْ التي سبقت هذا العالم كثيرة متعددة لا نعلمها، الله - عز وجل - يعلمها.
وهذا ما قِيلَ إنَّهُ يُسَمى بقِدَمِ جنس المخلوقات، أو ما يسمى بالقِدم النوعي للمخلوقات، وهذه من المسائل الكبار التي نكتفي في تقريرها بما أوردنا لكَ في هذا المقام المختَصَرْ.
المهم أن يتقرر في ذهنكَ أنَّ مذهب أهل الحديث والأثر في هذه المسألة لأجل كمال الربّ - عز وجل -، وأنَّ غَيْرَ قولهم فيه تنقّص للرب - عز وجل - بكونه مُعَطَّلاً عن صفاته أو بكونه سبحانه وتعالى مُعَطَّلَاً أن يفعل وأن تظهر آثار أسمائه وصفاته قبل خَلْق هذا العالم المعلوم أو المنظور.