[المسألة الثانية: تفسير الظلم عند المعتزلة والجبرية وأهل السنة والجماعة]

[المسألة الثانية] :

ذَكَرَ هنا الظلم فقال (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَبَدًا) ولفظ الظلم من الألفاظ التي أدخلها هنا لأنَّ الفِرَق الضالة تكَلَّمَتْ فيها:

- فالمعتزلة لهم كلام في الظلم.

- والجبرية لهم كلام في الظلم.

- وأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وسط بين الفئتين.

@ فالظلم عند المعتزلة في حق الله - عز وجل - هو الظلم في حق الإنسان، فما يفعله الإنسان ويكونُ ظلماً منه إذا نُسب إلى الله - عز وجل - فإنَّه ظُلْمْ.

فقاسوا الظلم الذي يضاف إلى الله - عز وجل - بالظلم الذي يقع من الإنسان.

فعندهم الظلم واحد، سواءٌ أكانَ في المخلوق أم في الخالق، ضابطه واحد، وتعريفه واحد، وما يُنَزَّهُ الله - عز وجل - عنه من الظلم، هو ما لا يليق بالإنسان أن يفعله.

@ وأما المتكلمون والأشاعرة ونحو هؤلاء فإنَّ الظلم عندهم هو الامتناع عن القدرة.

وعندهم قُدْرَةْ الرّب - عز وجل - مُتَعَلِّقَة بما لا يشاؤه سبحانه في تَعَلُّقِهَا الأزلي وفي تعلقها الصُّلُوحي -على حد كلماتهم -لا ينشغل ذهنك بها-.

فعندهم القدرة متعلقة بما يشاؤه سبحانه، فما لا يشاؤه غير مَقْدُور.

فمعنى ذلك: الممتنع عن القدرة في تفسير الظلم هو الممتنع في حق الله - عز وجل - عما لم يشأه - عز وجل -.

فعند المتكلمين أو -الأحسن طائفة من المتكلمين لأنها ليست موضع اتفاق بين المتكلمين والأشاعرة ثَمَّ خلاف بينهم وإن كان قليلا- عندهم الظلم هو الامتناع أو ما يمتنع أو ما هو مُمْتَنِعٌ مِنَ القُدْرَة.

فما هو ممنوع ممتنع في قدرة الرب - عز وجل - هو الذي لو فَعَلَهُ لكان ظلماً.

لكن هذا كما ترى تحصيل حاصل، فإنَّه - عز وجل - إذا كان لم يفعل فيكون عدم ظُلْمِهْ في أنَّهُ - عز وجل - لا يفعل الأشياء؛ لأنه لا يَظْلِمُ أحداً، فلو فَعَلَ شيئاً لا يدخل في قدرته -بحسب كلامهم- يكون ظلماً.

وهذا تفسير لا حاصل تحته لأن القدرة شيء والظلم شيء آخر.

فالظلم إذاً في تفسيرهم -تفسير طائفة من المتكلمين والأشاعرة ومن نحا نحوهم- يرجع إلى المُمْتَنِعِ في صفة القدرة لله - عز وجل -، فَرَجَعْ إلى أنَّ المُمْتَنِعْ في مشيئة الله - عز وجل - لو فعله لكان ظلماً؛ لأنَّ عندهم الأفعال أيضاً غير مُعَلَّلَة، وحكمة الله - عز وجل - غير مرتبطة بالعِلَلْ والأسباب في بحثٍ يطول ذكره هنا.

@ وأما تفسير أهل السنة والجماعة والأئمة والذي دَلَّتْ عليه النصوص فهو أنَّ الظلم هو وضع الأشياء في غير موضعها اللائق بها الموافق للحكمة منه - عز وجل -.

والظلم بالتالي يكون غير مرتبط بالقُدْرَةْ وغير مَقيس على أفعال الإنسان؛ بل هو سبحانه متنزه عن الظلم وقد حَرَّمَهُ على نفسه.

مما يتصل أيضاً أنَّ الظلم عند المعتزلة لا يكون إلا من مأمورٍ ومَنْهِي؛ يعني أنَّ حقيقة الظلم تكون فقط ممن يُؤْمَرْ ويُنْهَى، ويورِدُون الآيات في ذلك، ويقولون الآيات كلها دالَّةْ على أنَّ الظلم إنما يكون في حق من أُمِرْ فلم يفعل ونُهِيْ ففَعَلْ وهم المُكَلَّفُونْ.

ولذلك ينفون عن الله - عز وجل - حقيقة الظُّلْمْ لأجل أنَّهُ غير مأمور وغير مَنْهِي، ويَرُدُّون الأحاديث التي فيها تحريم الظلم على الله - عز وجل - ونحو ذلك.

نقول: نضرب مثالا ًعلى ذلك في حديثين:

أما الحديث الأول فقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح حديث أبي ذر المعروف «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» (?) وهذا يدل على أنَّ الله حَرَّمَ الظلم على نفسه، فلو كان الظلم على تفسير أولئك لا يقع إلا من مأمور ومنهي، فكيف يكون تحريمه على الله - عز وجل -؟

يكون تحريمه تحصيل حاصل لا معنى له، ولو كان الظلم هو الامتناع عن القدرة لكان أيضاً إضافته إلى الله - عز وجل - تحريم الظلم ليس له معنى.

فإذاً تحريم الظلم «حرّمت الظلم على نفسي» يعني جعلت وضع الأشياء في غير موضعها الموافق للحكمة جعلته مُحَرَّمَاً على نفسي، وحَرَّمْتُ عليكم أن تظالموا.

والحديث الثاني وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داوود وغيره وصحَّحَهُ بعض العلماء قال صلى الله عليه وسلم «لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم» (?) الحديث.

يعني أنَّ أهل السموات والأرض لو عَذَّبَهُمْ الله - عز وجل - لعذبهم وهو غير ظالمٍ لهم.

المعتزلة يَرُدُّون هذه الأحاديث أصلاً، والأشاعرة يُجَوِّزُونَ أن يُعَذِّبَ الله - عز وجل - الناس من غير سبب؛ لأنهم لا حكمة عندهم ولا تعليل لأفعال الله، يفعل ما يشاء بدون علة وبدون سبب، ومنها أَخَذَ صاحب السَّفَارينية في قوله في منظومته، السَّفاريني:

وجَازَ للمولى يعذب الورى ****** من غير ما ذنبٍ ولا جُرْمٍ جرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015