[المسألة الثانية] :
كثير من العلماء عند هذه المسألة -عند ذكر الكرام الكاتبين وعند الآية- يجعلون الكَتَبَة والحَفَظَة شيئاً واحداً، فيجعلون الجميع أربعة ملائكة:
- منهم اثنان للكتابة.
- اثنان للحفظ.
وهذا دَرَجَ عليه كثيرٌ من العلماء في شروحهم حتى شارح الطحاوية عندكم نَسَجَ على هذا المنوال.
وهذا الأمر يحتاج إلى نظر وجمع للنصوص والأحاديث حتى تُنْظَرَ في دلالتها، والذي يظهر لي بنوعٍ من التأمل وليس ببحثٍ مستفيض: أنَّ الملائكة الكتبة غير الحَفَظَة.
فالحَفَظَة يحفظون الإنسان، وأمَّا الكتَبَة فإنهم يحفظون عليه.
الحَفَظَة هم المُعَقِّبَات الذين ذكرهم الله - عز وجل - في قوله في سورة الرعد {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] ، أوجَهْ التفاسير فيها أنَّ معنى {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} يعني يحفظونه بأمر الله؛ يعني يحفظونه وحِفْظُهُمْ له بأمر الله لهم أن يحفظوه، وفيه -يعني في الحفظة- قوله صلى الله عليه وسلم «يتعاقبون فيكم ملائكة أربعة بالليل وأربعة بالنهار فيجتمعون» (?) إلى أخر الحديث «فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: آتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون» (?)
: [[الشريط السابع والثلاثون]] :
وهذا الحديث يدل على أنَّ الحفظة هؤلاء يتعاقبون، منهم من يحفظ بالليل ومنهم من يحفظ بالنهار، وأنَّ هؤلاء يلتقون في وقت الصلاة، يعني في هذا الوقت من اليوم ثم يُفَارقون العبد.
وهذا خلاف ما دَلَّتْ عليه الآية الأخرى والأحاديث في وصف الملائكة الكَتَبَة في أَنَّهُم لا يُغَادرون ابن آدم ولا يفارقونه على أيّ حال كان فيها حاشا الجنابة.
فإذاً نقول: الذي يظهر من الأدلة التفريق في الحفظ ما بين الحفظ لابن آدم والحفظ عليه:
- فحفظ ابن آدم هذا عمل الملائكة الذين يتعاقبون؛ المُعَقِّبَات.
- وأما الحفظ عليه فهذا عمل الكَتَبَة.
والكَتَبَةُ اثنان: أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات.
وأما الحَفَظَة: فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم أربعة يتعاقبون في الليل والنهار.