الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
س1/ كيف نجيب على الإشكال في الأحاديث النبوية التي تذكر دخول الجنة والنار بالفعل الماضي، مثل حديث «عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت بها النار» (?) ، هل المقصود عذاب القبر أم ماذا؟
ج/ ما ذُكِرَ من العذاب لمن أخبر الله - عز وجل - أنه يُعَذَّب في النار أو يُعَذَّب مطلقاً أو أنه عُذِّب، هذا محمول عند أهل السنة والجماعة على حقيقته، فإنَّ الجنة والنار مخلوقتان الآن لا تفنيان ولا تبيدان.
فمن شاء الله - عز وجل - أن يعذبه في النار من أهل القبلة أو من استحق النار من أهل الشرك والضلال فهو إذا مات في النار وهو في قبره يكون مُعَذباً في النار، والقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، وقد قال - عز وجل - في سورة غافر لما ذَكَرَ عذاب آل فرعون قال {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، فدَلَّت الآية على أنَّ عذاب أولئك في النار حاصل في زمنين: الآن وبعد قيام الساعة. وكلها على حقيقتها يعذبون في النار؛ لأنَّ الواجب الأخذ بالظاهر، وهذه أمور غيبية، والنار مخلوقة والجنة مخلوقة والنعيم في الجنة حاصل الآن والعذاب في النار حاصل الآن.
لكن ينبغي أن يُفهَمَ أنَّ العذاب في البرزخ يختلف عن العذاب في الآخرة:
وهو أنَّ العذاب في البرزخ يقع على الروح والبدن تَبَعْ، كما أنَّ النعيم في البرزخ للروح والبدن تَبَعْ.
وأما بعد قيام الساعة فإنَّ النعيم والعذاب للإنسان بروحه وبدنه جميعا في أكمل تعلقٍ بينهما.
ويوضِّح ذلك أنَّ الأحاديث جاء فيها ذِكْرُ نَسَمَةْ المؤمن وروح المؤمن أنها في الجنة، وأنَّ روح الكافر يؤخذ بها في النار، فالعذاب والنعيم في البرزخ يقعان على الروح، ليس الروح فقط ولكن الروح والبدن تبع، بعكس الحياة الدنيا، الحياة الدنيا التنعم أو التعذُّب يكون على البدن والروح أيضاً تتنعم وتتعذب لكن بالتّبع، وبعد الموت عكس حالة الحياة الدنيا هي على الروح والبدن تبعٌ لها، وهذا هو ما قرَّرَهُ أئمة أهل الإسلام.
وهذا خلاف قول من يقول أنَّ النعيم يكون للروح والعذاب على الروح فقط وأنَّ البدن في البرزخ لا يُعَذَّبْ، هذا غلط كبير ولا ينبغي أن يُنْسَبَ هذا إلى أحد من أئمة الإسلام؛ بل هو على الروح والبدن جميعاً؛ وذلك أنَّ الأدلة جاء فيها أنَّ الميت يُعَذب، وأنَّ الإنسان يُعَذّب، والميت والإنسان اسم لبدنه وروحه معاً، فمن ادعى الانفصال فلابد له من إقامة دليل على ذلك، هذا من جهة في جواب السؤال.
والجهة الأخرى هو أنَّ ما جاء في الكتاب أو السنة من التعبير عن الشيء بالفعل الماضي له أنحاء:
الأولى: أن يُعَبَّر أو يوصَفْ الشيء الذي لم يتحقق، لم يأتِ بعد، بالفعل الماضي، أو الذي يكون دائم التحقق بالفعل الماضي.
مثال الأول {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} {أَتَى} هذا فعل ماضٍ {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} يعني بقيام الساعة {فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} ؛ يعني كأنَّه من شدة التأكيد على حصوله وأنه يقيناً حاصل لا محالة، ووقوعه لا شك فيه ولا ريب، كأنه قد وقع وانقضى، والناس يرون ما وقع وانقضى يقيناً؛ لأنهم شاهدو، حصل أمس وشاهده الناس وانتهى، فيُعَبَّرُ عما يُسْتَقْبَلْ بالماضي إذا كان وجوده وتحصيله يقيناً بلا ريبٍ ولا شك، وكأنه قد وقع وانقضى في حصول اليقين لمن علم به.
والوجهة الثانية: أو الحال الثانية أن يكون الشيء منه ما وقع ومنه ما يقع الآن ومنه ما يقع في المستقبل، وهذا وصْفُهُ بالفعل الماضي، التعبير عنه بالفعل الماضي لتَحَقُقِ الاتصاف به وللتأكيد على الاتصاف به، وهذا ما يُحمَلُ عليه مثل قول الله - عز وجل - {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134] ، {كَانَ اللَّهُ} هذا فعل ماضي، الله - عز وجل - سميع بصير صفة ذاتية في الماضي والحال والاستقبال، هذا للتأكيد على تحقق هذا الاتصاف وتحقق آثاره، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف:45] ، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء:47، الأحزاب:37] ، وهكذا في أمثالها مما يدل على هذا المعنى.
س2/ هل الكتب السماوية التي نزلت قبل القرآن جميعها من كلام الله وكُتِبَتْ مثل ما كُتِبَ القرآن الكريم؟ أم أنها لم تُكْتَبْ حتى تُوُفِّيَ الرسل الذين نزلت عليهم وكتبها من بعدهم؟