ج/ الذبح إراقة الدم من أعظم القربات لله - عز وجل -؛ لأنَّ الذي أجرى الدم في هذا المخلوق هو رب العالمين، فالدم هو الحياة، جريان الدم هو الحياة، فإراقته إنما تكون تقرباً لمن وهب هذه الحياة ووهب هذه الأنعام التي ينتفع بها الإنسان، التقرب بإراقة الدم إذا كان لمخلوق فهو كفر بالاتفاق، تقرّب بإراقة الدم لمخلوق تقرباً له تعظيماً له هذا كفر بالإتفاق، هذا شرك من جهة العبادة، فإنْ سَمَّى غير الله - عز وجل - عليه صار مما أُهِل لغير الله به فرجع إلى الشك في الربوبية والاستعانة.

الذي يحصل عند البادية في بعض البادية أنهم إذا أرادوا أن يُكْرِمُوا ضيفاً -وليس كل ضيف- الضيف الذي يعظمونه أو سلطان أو أمير أو نحو ذلك، فإنهم يذبحون الذبيحة ليسيل الدم أمامه وهو يرى، وهذا جرت عادتهم أنَّ هذا على جهة التعظيم للقادم لا على جهة الإكرام، يُكْرِمون أضيافهم بالذبح وراء البيت بالذبح في أي مكان؛ لكن كونه ينحر الإبل والدم يضرب بقوة والضيف يأتي، هذا لا يفعلونه إلا للمُعَظَّمْ فيهم، وهذا نوع تقرب للمخلوق بهذا الدم، ما نقول تقرب لكن هو نوع تقرب، ولذلك حَكَمَ العلماء على أنَّ هذه الذبيحة ليست مباحة بل هي ميتة، لا يجوز أكلها، ويجب الإنكار على من فعل ذلك، سواء فعله مع سلطان أو مع أمير أو فَعَلَهُ مع رئيس قبيلة أو فعله مع ضيف معتاد ممن يُعَظَّمْ؛ يعني ليس من هؤلاء، فإنه لا يجوز الأكل منها، إذا ذبحها أمامه ضابطها أن ينحر الإبل ويضرب الدم وهذا يدخل أمامه وهو يرى لدخوله.

لكن لا يدخل في ذلك وهو جالس مثلاً في المكان أو في الخيمة أو في البر، هو جالس ثم دعوه على الكل فصاروا ذبحوا الذبيحة وهو ينظر إليها؛ لكن الضابط هو إراقة الدم وسيلانه وهذا يتحرك وهذا يقدم مثل ما حصل قريباً، نسأل الله - عز وجل - العافية والسلامة، هذا كله محرم وكبيرة من الكبائر وبعض حالاته يكون شركاً في هذا؛ لكن على كل حال هذه الذبيحة محرمة ميتة لا يجوز الأكل منها.

س19/ لُوحظ في الآونة الأخيرة على بعض الشباب الملتزم الأخذ من اللحية تخفيفاً، فما حكم هذا العمل؟ وما حدود اللحية؟، وهل يُصَلَّى وراء الإمام الرسمي؟ آمل التكرّم بتفصيل مسألة بدعية الأسابيع المتكررة: المساجد الشجرة إلى آخره؟

ج/ أما حكم الأخذ من اللحية، فحلق اللحية حرام بالإجماع نص ابن حزم على تحريم حلق اللحية بالإجماع، وكذلك غيره، وعلماء المذاهب الأربعة يختلفون في هذه المسألة من حيث تحريم الحلق أصْلاً.

والذي دَلَّتْ عليه الأدلة الواضحة في السنة بألفاظ مختلفة أنّ إعفاء اللحية مأمور به قال صلى الله عليه وسلم «خالفوا المجوس أعفوا اللحى وحفوا الشوارب» وفي رواية أخرى قال «أرخوا اللحى» (?) ، وفي رواية ثالثة قال «وفّروا اللحى» (?) ، وقال «أكرموا اللحى» ، وهذا يدل على أنَّ هذه الأمور مأمور بها، وأنَّ حلق اللحية حرام، وقد روى ابن السعد أيضاً وغيره أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المجوس وكان حالق اللحية وكان موفّر الشارب جداً فانصرف عنه صلى الله عليه وسلم فلما أقبل عليه قال له «من أمرك أن تفعل هذا؟» فأجابه الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم «ولكن الله أمرني أن آخذ من هذا» يعني شاربه «وأعفي هذه» (?) يعني اللحية.

إذا تقرر هذا فما هو حد الإعفاء لغةً وشرعاً الذي يحصل به الإعفاء، وهل معنى الإعفاء أنه لا يجوز أخذ شيء من اللحية، للعلماء في ذلك أقوال:

- الإمام أحمد وأصحابه ذهبوا إلى أنَّ إعفاء اللحية بتركها على حالها سنّة، وأنّ الأخذ منها إذا لم يكن إلى حد الحلق فإنه مكروه، وهذا هو الذي مدوّنٌ في مذاهبهم، والإمام أحمد كان يأخذ من لحيته كما ذكره إسحاق ابن هانئ في مسائله.

- والقول الثاني وهو المُفْتَى به عند علمائنا وذلك لظاهر الأدلة أنَّ معنى الإعفاء ألا يُؤْخَذَ منها شيء أصلاً بدليل قوله (وفّروا اللحى) ، (أكرموا اللحى) ، (أرخوا اللحى) وهذه كلها مأمور بها.

لكن ما هو حد الإعفاء هذا؟

الذين قالوا بأنَّ الأخذ من اللحية ليس مخالفاً للإعفاء، قالوا هذا الأمر، أعفوا، أرخوا، خالفه الصحابة بالأخذ بما زاد عن القبضة فَدَلَّ على أنَّ حد الإعفاء ليس مطلقاً؛ يعني بِأَنَّ من أَخَذَ فقد خالف الأمر بالإعفاء.

ولهذا ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية ونَصَرَهُ الشيخ ناصر الدين الألباني في هذا الوقت نصراً بالغاً بأنَّ حد اللحية إلى القبضة، وما زاد على ذلك فلا يُشْرَعْ، وهذا القول فيه ضعف ظاهر؛ لأنَّ من الصحابة من كان كث اللحية جداً وعظيمها وكانت لحيته تبلغ إلى صدره، كما ذُكر عن علي رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كثَّ اللحية جداً ونحو ذلك مما يدل على أنَّ حد الإعفاء بالقبضة وأنه لا يجوز أن يُعْفِيَ أكثر من القبضة هذا قول يحتاج إلى أدلة واضحة في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015