[المسألة الثامنة: ذكر معنى قول الطحاوي (جماعة المسلمين) ، مع ذكر سبيل النجاة من الفرق الضالة]

[المسألة الثامنة] :

في قوله (وَلَا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.) ، (جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ) هذه الكلمة من الكلمات العظيمة التي تَرِدْ في كتب أهل السنة والجماعة وفي عقائدهم.

والجماعة عندهم يُراد بها نوعان:

- النوع الأول: جماعة الدين.

- والنوع الثاني: جماعة الأبدان.

وكلٌ منهما مَأْمُورٌ التزامه، وكلٌ منهما مطلوبٌ التمسك به، جماعة المسلمين في دينهم وجماعة المسلمين في أبدانهم.

وقد فصَّلْتُ لك الأقوال في ذلك في أول شرح الواسطية يمكن أن ترجع إليه للازدياد من هذا الموطن (?) .

الجماعة تقابلها الفرقة.

يعني لماذا قسمناها إلى جماعة دين وجماعة البدن جماعة الأبدان؟

لأَّنُه جاء في النصوص الأمر بلزوم الجماعة وجاء في النصوص النهي عن الفُرْقَة.

والنهي عن الفرقة جاء النهي عن الفرقة في الدّين والنهي عن الفرقة في الأبدان، كما في قوله - عز وجل - {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] ؛ يعني في الدين.

والتفرق في الدين يَؤُولُ إلى الترفق في الأبدان، فكلٌّ منها له صلة بالآخر.

فجماعة الأبدان يقوى معها الاجتماع في الدين، والتفرق في الأبدان يحصل معه تَفَرُّقْ في الدين.

وكذلك الاجتماع في الدين يحصل معه اجتماع في الأبدان، فكل منهما يقود إلى الآخر.

ولهذا لما ظهرت العقائد الباطلة في زمن عثمان وزمن علي رضي الله عنهما ظَهَرَ الافتراقُ في الأبدان والخروج على الأئمة ونحو ذلك، فهذه وهذه كل منهما يؤول إلى الآخر.

قول الطحاوي هما (وَلَا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.) هذه عقيدة عظيمة يجب على كل مُعْتِقِدٍ لِمُعْتَقَدْ أهل السنة والجماعة أن يهتم بها.

فجماعة المسلمين (جماعة الدين) واجِبٌ التزامها، وعدم الخروج عما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم وعما كان عليه السلف الصالح وأئمة الإسلام.

وكذلك (جماعة الأبدان) بلزوم إمام المسلمين وولي أمرهم وعدم شقّ الطاعة والسمع والطاعة في المعروف، هذا واجبٌ أيضا الاجتماع عليه والائتلاف على ذلك.

وهذا هو الذي كان عليه أئمة أهل الإسلام رحمهم الله تعالى.

فإذاً من خالف في عقيدة من عقائد الإسلام ففي الواقع خالف جماعة المسلمين.

جماعة المسلمين كانت على شيء قبل أن تَفْسُدَ الجماعة، كانوا على شيء في زمن الصحابة رضوان الله عليهم.

ولذلك تعلمون ما ذَكَرَهُ ابن القيم في أول إغاثة اللهفان وذَكَرَهُ غيره من أنَّ الرجل الواحد قد يكون في زمن من الأزمان هو الجماعة، متى؟

إذا كان موافقا لِمُعْتَقَدْ الصحابة رضوان الله عليهم ومُعْتَقَدْ التابعين وأئمة الإسلام ولم يكن معه أحد فهو الجماعة وإن خالفه الناس جميعا، لماذا؟

لأنَّ الجماعة معناها هو من كان في العقيدة مع الجماعة، من كان في الاعتقاد مع الجماعة فهو الجماعة.

وفي زمن الإمام أحمد حينما حصلت فتنة القول بخلق القرآن، كان الإمام أحمد ومن معه ممن وقف في وجه أمراء ذلك الوقت في هذه العقيدة، وأقرّوا ما عليه جماعة المسلمين، كانوا هم الجماعة، والمخالفون لهم الأكثر كانوا قد خالفوا الجماعة.

وهذه مسألة مهمة في أنَّ الجماعة بمعنى العقيدة هو من كان على الجماعة.

فإذاً الجماعة لها إطلاقان:

1- الإطلاق الأول: الجماعة بمعنى الاجتماع على عقيدة السلف، فمن كان على ذلك الاعتقاد فهو الجماعة في العقيدة وإن كان واحداً.

2- الإطلاق الثاني: الجماعة في الأبدان وهو أن يلزم إمام المسلمين وجماعتهم فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فيعتزل الفرق كلها، ويعبد الله - عز وجل - على بصيرة، فيكون حينئذ أدى ما يجب عليه أداءه.

فالواجب إذاً على كل طالب علم أن يأخذ بهذه الكلمة، وأن يوصي غيره بها؛ لأنها من أعظم ما يتقرب بها العبد إلى ربه أن يكون مع الجماعة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّنَ الفرق الضالة، الفرق التي توعدها بالنار قال «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟

قال «هي الجماعة» (?) وفي الرواية الثانية قال «الجماعة من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (?) أو نحو ذلك.

والرواية الأولى جيدة يعني من حيث الإسناد قال «هي الجماعة» يعني من كان على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم.

وهذا وعد عظيم كلها في النار إلا واحدة.

إذا حصل أنَّ المرء اشتبه عليه شيء في مسائل فما الذي يجب عليه؟

يجب عليه أن يأخذ بما يَتَيَقَّنُهُ من الدين وما يَتَيَقَّنُهُ من عمل أئمة الإسلام، وما دُوِّنَ في العقائد الصحيحة لأهل السنة والجماعة وأن يترك ما اشتبه عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015