[المسألة السابعة] :
شبهة من قال بخلق القرآن وهم الطوائف الذين ذكرتهم لك قالوا:
إنَّ القرآن حروف وكلمات وصوت، فإذا قيل إنه كلام الله - عز وجل - الذي هو صفته صار الله - عز وجل - مَحَلاً لِما هو من صفة الأجسام والتقطع في الكلام؛ لأنَّ القرآن حروف متقطعة؛ يعني حروف تكونت منها الجمل، تكونت منها الآيات.
فنظروا إلى هذا فقالوا: هذا التقطع إنما هو من صفات من له نَفَسْ، من يُخْرِجْ الحرف ثم يَتَنَفَّسْ، ثم يقول كذا ونحو ذلك، وهذه من صفات المخلوقين، فلهذا جعلوه مخلوقاً.
ولهم في تبايُن صفات الخلق، أو كيف خَلَقَهُ وفي أي شيء خلقه، لهم أقوال كثيرة.
وهذه الشبهة والإيراد مبني أيضا على اعتقادٍ لهم، وهو أنَّ -أظن أني ذكرته لكم قبل ذلك- حدوث الأجسام إنما كان بدليل الأعراض، يعني حلول العَرَض في الجسم تَبِينُ به حاجة الجسم وافتقار الجسم إلى العرض، والعرض يطرأ ويزول، فلهذا صار الجسم حادثاً مما هو معروف، وقد فصّلته لكم فيما قبل فيما يسمى بدليل الأعراض (?) .
وهذا دليلٌ يعتمده المعتزلة وأخذه عنهم كتأصيل الأشاعرة والماتريدية وجماعة.
والقرآن إن قيل إنه صفة الله - عز وجل - صار عندهم أنَّ القرآن يكون في حالْ ولا يكون في حالْ؛ لأنَّ القرآن تَكَلَمَ الله - عز وجل - به ليس دَفعة واحدة، وإنما بحسب الوقائع، قالوا هذا يمتنع معه إلا أن يكون مخلوقاً.
والأشاعرة والماتريدية لما سلَّموا بأصل البرهان عارضوا ذلك ظاهراً.
عارضوا قول المعتزلة ظاهراً وسَلَّمُوهُ باطناً، فقالوا: القرآن قرآنان:
- قرآن قديم وهو الذي تكلم الله - عز وجل - به.
- وقرآن أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن القديم الذي هو صفة الله - عز وجل -، هذا تكلم الرب - عز وجل - به دفعة واحدة.
والقرآن الذي أنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم هذا جُعِلَ في رُوعِ جبريل، ذلك القرآن جُعِلَ في روعه -يعني في نفسه بدون أن يسمع- فنزل به على نبينا صلى الله عليه وسلم. (?)
وهذا منهم لأجل أن لا يُبطِلُوا الدليل السابق.
واستدلوا على ذلك -يعني المعتزلة- بأدلة كثيرة، موجودة في كتبهم، ليس هذا محل بيانها.
المقصود أنَّ القول بخلق القرآن مبني على شبهة، ولأجل هذه الشُّبْهَة ولأجل إبطالها فإنَّ أئمة أهل الإسلام كفَّرُوا في خلق القرآن بالنوع ولم يُكَفِّرُوا كل أحد قال بخلق القرآن حتى تقوم عليه الحجة لأجل الاشتباه في الدليل.
فإذاً نقول: من قال بخلق القرآن فهو كافر؛ لكن إذا جاء المُعَيَّنْ لابد من إيضاح الحجة له والرد على شبهته؛ وذلك لأنَّ هذه الفتنة عظيمة.
كذلك من تَوَقَّفَ في ذلك ولم يستبن له الأمر، أو من أجاب في الفتنة -فتنة خلق القرآن- فإنَّ أئمة أهل السنة والجماعة لم يُكَفِّرُوا أحداً في ذلك ولم يمتنعوا أيضاً عن الرواية ممن توقف في المسألة أو أجاب لأجل الافتتان.
وهذا أصل عظيم مهم في هذا الأصل؛ يعني في مسألة خلق القرآن.
فإذاً معتقد أهل السنة والجماعة:
- أنّ القول بخلق القرآن من أبْطَلْ الباطل.
- وأنَّ القول بخلق القرآن كفر، لأنَّ معنى القول بأنَّ صفة الله مخلوقة، والقرآن صفة الله كلام الله فالقول بأنَّ صفة الله مخلوقة هذا تنقّص عظيم للرب - عز وجل -، وتنقّص الرب - عز وجل - كفر بالله سبحانه وتعالى، فهو أعظم من الاستهزاء المجرّد لأنَّ هذا قول بالتنقص ومسبّة لله - عز وجل -.
لكن ثَمَّ اشتباه وشبهة الوضع معها ما ذكرته لك آنفا.
أما الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم فهم يَرُدُّونَ على المعتزلة وعلى العقلانيين وعلى الخوارج وعلى الرافضة في مسألة خلق القرآن، يَرُدُّونَ عليهم بأنواع من الردود.
* لكن تنتبه إلى أنَّ مبنى هذه الردود على مذهبهم؛ وهو أنَّ كلام الله قديم وأنَّ الذي أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم إنما كان في روع جبريل أو أخذه من اللوح المحفوظ -أخذه من المكتوب- أو نزل به من بيت العزة أو نحو ذلك من أقوالهم المعروفة.