الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ى شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

الأسئلة 2

نجيب على بعض الأسئلة لمَّا يجتمع الإخوة.

الأسئلة:

س1/ هل يُفْهَمُ من قوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] ، أنَّ المؤمنين في الجنة إذا تجلَّى لهم الرب سبحانه وتعالى أنهم لا يرون جميع ذات الرب سبحانه وتعالى؟

ج/ أولاً تعلمون أنَّ الأصل في عقيدة السلف هو اتباع القرآن والسنة هو عدم تجاوز القرآن والحديث، وأنَّ الكلام في الصفات والكلام في تقرير العقائد بتفصيل إنما جاء بعد فُشُو البدع وكثرة كلام الضّالين من الفرق في ذلك، فتَوَسَّعَ من تَوَسَّعَ من أئمة السلف لأجل أنَّ المخالف توسّع والحق يُقذف به على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

فالأصل أنَّ المسلم السُنِّي المتبع لطريقة السلف الرّاغب في الاعتقاد الحق أن لا يُشْغِلَ نفسه بتفاصيل أسئلة في الصفات ليست على ظاهر الأدلة التي وقفنا عليها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو ما جاء في القرآن من آياته العظام.

لهذا لا ينبغي تفصيلات الكلام في الصفات؛ بل قد يدخل ذلك في الكلام المذموم إذا كان ليس ثَمَّ حاجة في تفصيل الكلام في الرد على أهل البدع أو تقرير عقيدة من عقائد أهل السنة والجماعة.

لهذا نقول: ظاهر قوله الله - عز وجل - {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} أنَّ الله - عز وجل - لا تحيط به الأبصار، وأنه وإن رآه من شاء الله - عز وجل - من عباده وشرَّفَهْ بأن يرى الرب - جل جلاله - فإنه يراه رؤية وليست بإحاطة.

لذلك ظاهر الآية أنَّ الإحاطة بالرب - عز وجل - ممتنعة، سواء أكان ذلك في عرصات القيامة أم كان ذلك بعد دخول أهل الجنة الجنة جعلني الله وإياكم منهم.

س2/ معلوم أنَّ الإمام أحمد رحمه الله قال في مذهب المفوضة إنه من شر المذاهب، ومع ذلك وُجِدَ في كتب أصحاب مذهبه بعض التفويض كما في كتاب المرداوي في شرح لامية شيخ الإسلام وفي لمعة الاعتقاد، فهل هناك فرق بين ما يقصد الإمام أحمد وما وقع فيه بعض أتباعه أم لا؟ نرجو بسط القول في ذلك.

ج/ مذهب المفوضة مذهبٌ كبير، والذين قالوا بالتفويض كثرة جداً وليسوا بالقليل سواء من المتقدمين يعني في عهد الإمام أحمد وما قبل إلى زماننا هذا.

ثَمَّ رسالة طُبِعَتْ مؤخرا بعنوان التفويض فيها تفصيل الكلام على المذهب بما لا يمكن أن يقال في هذا الموضع ما يستحقه المقام وتستحقه المسألة.

لكن الذي ينبغي أن تعلمه أن التفويض قسمان:

- تفويض للكيفية.

- وتفويض للمعنى.

والذي ورد عن السلف فيمن قال منهم إنهم يفوضون، أو نفوض هذا، أو نَكِلُ علمه إلى قائله، أو نحو ذلك مما يفهم منه التفويض، فيراد به تفويض الكيفية؛ لأنَّ الكيفية من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله - عز وجل - كما قال سبحانه {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ} [الأعراف:53] ، إلى آخر الآية في الأعراف، وكذلك قوله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} [آل عمران:7] ، عند الوقف على لفظ الجلالة يدخل في التأويل ما تؤول إليه حقائق الأخبار، ومنها العلم بالكيفيات.

فلا شك أنَّ أحداً لا يعلم كيفية اتصاف الرب - عز وجل - بصفاته، ولا كيفية الغيبيات على حقيقتها التي خَلَقَهَا الله - عز وجل - عليها؛ لأنَّ هذا من علم الغيب الذي اختَصَّ الله - عز وجل - به نفسه العلية - جل جلاله - وتقدست أسماؤه.

فهذا النوع الأول تفويض الكيفية وهذا نؤمن به، فنُفَوِّضْ كيفية الأمور الغيبية ومن ذلك صفات الرب - عز وجل - ونعوت جلاله ومعاني أسمائه، وما يتصل بذلك من أمور الغيب نفوض كيفيتها إلى ربنا - عز وجل -.

والقسم الثاني من التفويض تفويض المعنى؛ يعني يقول أنا أُفَوِّضْ العلم بالمعنى، أفوض المعنى، لا أدري ما معنى (الرحمن الرحيم) ، لا أدري ما معنى الرحمن، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشْ} لا أعلم معنى استوى، أُفَوِّضْ معناها إلى الله، فالاستواء ربما يكون معناه القهر، ربما يكون معناه العلو، ربما يكون معناه الرحمة، ربما يكون معناه أي معنى، فيُفَوِّضُونَ المعنى.

فيقولون: لا نعلم معاني الغيبيات ولا أحد يعلمها.

ولهذا ذَهَبَ إلى هذا المذهب قلة -يعني تفويض المعنى- قلة من المتقدمين يعني في القرن الثاني والثالث، وشاع عند طائفة من المتأخرين بسبب أنه قول للأشاعرة، وقد نَظَمُوهُ في عقائدهم بقول القائل في جوهرة التوحيد:

وكلُّ نصٍ أَوْهَمَ التشبيها أَوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تنزيها

فمذهب الأشاعرة له في الصفات قولان:

الأول: وهو الراجح عندهم والأقوى أن تُؤَوَلْ الصفات التي تتعارض مع الصفات السبع التي أثبتوها وتتعارض مع العقل.

والثاني وهو صحيح عندهم؛ لكنه ليس بقول أهل العلم والحكمة هو تفويض المعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015