[المسألة الخامسة] :
أنّ الناس في القَدَرْ الذين خالفوا أهل السنة والجماعة، لهم فِرَقْ كثيرة وهذه الفرق ترجع إلى فرقتين:
1 - الأولى القدرية.
2 - الثانية الجبرية.
@ ويُعنى بالقدرية: الذين أنكروا القدر، إما أنكروا كل المراتب، أو أنكروا بعض مراتب القَدَرْ التي ذكرنا لك.
@ ويُعنى بالجبرية: الذين يزعمون أنَّ الإنسان لا اختيار له وأنه مجبور.
& أولاً: القدرية:
القدرية فرق يُلَخَّصْ اختلافهم في أنَّ:
1- الفرقة الأولى: هم الغلاة الذين كانوا يُنكرون عِلْمَ الله - عز وجل - السابق فيقولون: إنَّ الله - عز وجل - لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه والأمر أُنُفْ، كما كان يقول معبد الجُهَنِي وغيلان الدمشقي وجماعة من الأولين.
وهؤلاء هم الذين أنكروا علم الله السابق، فقالوا: إنَّ الله لا يعلم الأشياء حتى تقع والأمر أنف؛ يعني مستأنف جديد غير معلوم وغير مُقَدَّر له قبل ذلك.
وهؤلاء هم الذين كفَّرَهُم السلف وكفَّرَهُم الصحابة كابن عمر وابن عباس وغير أولئك، وذلك لأنهم أنكروا مرتبة العلم، والله - عز وجل - ذكر عِلْمَهْ، فمعنى ذلك أنهم ردُّوا حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب فهو من الكافرين.
وهؤلاء هم الذين قال فيهم السلف (ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خُصِمُوا وإن جحدوه كفروا) .
وهذه الفرقة ذهبت ولا يُعْرَفْ أنها عقَّبَتْ وارثاً في الأعْصُرْ المتأخرة.
2 - الفرقة الثانية: وهم القدرية المتوسطة: المعتزلة والشيعة الرافضة والزيدية ومن نحا نحو أولئك.
وهؤلاء لا يُنْكِرُونَ جميع المراتب؛ ولكن يُنْكِرُونَ بعض الأشياء في بعض المراتب.
فيقولون: إنَّ المشيئة ثابتة لكن ليست عامة.
ويقولون: إنَّ الخلق ثابت ولكن ليس عامَّاً.
وسُمُّوا بالقدرية لأنهم ينفون بعض مراتب القدر.
وهذه الفرقة باقية إلى الآن المعتزلة موجودة الآن، الزيدية والرافضة والفرق موجودة في أمصار كثيرة من بلاد المسلمين، وهؤلاء هم الذين يأتي إن شاء الله ذكر بعض شبههم والرّد عليها بإذنه تعالى.
& ثانياً: الجبرية:
أما الجبرية فهم أيضا فِرَقْ منهم:
1- الفرقة الأولى: هم الغلاة، وهم الذين يقولون إنَّ الإنسان مجبور على كل شيء، وحركاته كحركة الريشة في مهب الهواء، وكحركة الخشبة في البحر فإنَّ الأمواج تتقاذفها وليس لها اختيار، وكذلك الريشة يُقَلِّبُهَا الهواء وليس لها اختيار.
العبد يقولون ليس له اختيار وإنما هو مفعول به في كل أحواله، سواء من ذلك الطاعات والمعاصي، فَصَلَّى مجبوراً، وصام مجبوراً، وسرق مجبوراً، وغشّ مجبوراً.
ويقولون: إنَّ أفعال الله - عز وجل - غير مُعَلَّلَة، فقد يُدْخِلْ الله - عز وجل - إبليس الجنة، وقد يُدْخِلْ آدم النار؛ يعني من لازِمِ مذهبهم، فإنه لا تعليل في أفعال الله، قد يُعَذّب المطيع الصالح، وقد يُعْطِي ويُنَعِّم الكافر الطاغوت.
لماذا؟
لأنَّهُ يقول هؤلاء فَعَلُوا بغير اختيارهم، فالله سبحانه وتعالى هو الذي أَجْبَرَ هذا أَجْبَرَ هذا، فله أن يَقْلِبَ الأمور لأنَّ هذا ما فعل الذنب باختياره، نعوذ بالله من الأقوال الضالة.
وهؤلاء يمثّلهم -يعني الجبرية- يمثلهم طوائف من الصّلحاء في الزمن الأول ممن رأوا الفَنَاء في شهود الأمر الكوني.
وممن قال أيضاً بهذا القول جهم ومن اتَّبَعَهُ، وأيضاً قال به طوائف من غلاة الصوفية يرون أنهم ليس لهم فعل البتة، فأفعالهم الظاهرة كحركة أمعائهم لا اختيار لهم فيها.
2- الفرقة الثانية: وهم الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم ممن غَلَوا في إثبات المشيئة، مشيئة الله - عز وجل - وخلقه، وقالوا إنَّ الإنسان ليس مجبوراً على كل حال؛ ولكن هو مجبور باطناً لا ظاهراً؛ يعني في الباطن مجبور ما يتحرك بإرادته ولكن في الظاهر تصرفاته بإرادته، فَيُحَاسَبُ على تصرفاته الظاهرة، وأما الذي دَفَعَهُ في الحقيقة فهو أمر باطن مُجْبَر عليه من الله - عز وجل -.
وهذا في الحقيقة قولٌ بالجَبْرْ، ومشهور أنَّ الأشاعرة جبرية.
ولهذا لما عُرِضْت هذا الاعتراضات، اعْتُرِضْ على الأشعري في الحساب والعقاب والثواب قال: إنَّ الأفعال يُحَاسَبْ عليها العبد ويُنَعَّمْ ويُعَذَّبْ لأنه كسبها، وكَسْبُهُ لها من فعله.
فإذاً يُعَاقَب ويُثَاب على ما كسب، والله - عز وجل - يقول {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286] فأخذ من لفظ (كَسَبَ) في القرآن أنَّ الفعل الظاهر كَسَبَهُ العبد، يعني عمله فهو يحاسب على ما ظهر.
وهذا الكسب عنده في الواقع ابتدأه أبو الحسن الأشعري دون سابق في هذه الأمة، فلهذا نَظَرَ أصحابه في تعريف الكسب، إيش معنى الكسب هذا الذي أحدثه الأشعري لقاء قوله بالجبر الباطن؟