[المسألة الرابعة: أسباب نشأة الضلال في القضاء والقدر]

[المسألة الرابعة] :

منشأ الضلال في القدر، منشأ ضلال الفرق: الجبرية والقدرية يرجع إلى عدة أسباب: (?)

1- السبب الأول: قياس أفعال الله - عز وجل - وتصرفاته سبحانه بأفعال الخلق.

فيجعلون ما كان محموداً في الخلق محموداً في فِعْلِ الله - عز وجل -، وما كان مَذْمُومَاً في الخلق فيكون مَذْمُومَاً في فعل الله - عز وجل -.

فعندهم أنَّ العدل محمود والظلم مذموم، فيجعلون العدل بتفسيره في الخَلْقْ والظلم بتفسيره في الخَلْقْ في حق الله، فما اقتضى العدل في المخلوق جَعَلُوهُ لله وما اقتضى الظلم في المخلوق جعلوه منفِيَّاً عن الله - عز وجل -.

ولذلك نفوا عموم المشيئة ونَفَوا عموم الخلق، لأنهم جَعَلُوا أنَّ إِذْنَ الله - عز وجل - بالكفر يقتضي الظلم؛ لأنه معناه الإلزام.

وجعلوا خلق الله - عز وجل - لمعصية العاصي ولكُفْرِ الكافر جعلوا ذلك ظلماً؛ لأنَّهُ في حق الإنسان إذا جَعل غيره يفعل ذلك الشيء فإنَّهُ قَهَرَهُ عليه وأَجْبَرَهُ عليه أو أنه أَذِنَ له به وهذا ظلم في حق الإنسان فيما بينهم.

فيقولون: إِذْنُ ما كان عدلاً في الإنسان فهو عدل في الله وما كان ظلماً في الإنسان فهو ظلم في الله لأنَّ تعريف العدل والظلم فيما جاء في النصوص هو التعريف اللغوي وهو الذي يشمل الإنسان ويشمل الله - عز وجل -.

* وهذا في الحقيقة هو أعظم أسباب الضلال في هذه المسألة.

2 - السبب الثاني: عدم التفريق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية.

فيجعلون الإرادة والمشيئة شيء واحد، فما نُفِيَ مما لم يُرِدْهُ الله - عز وجل - شرعا جعلوه مَنْفِيَّاً كونا.

فالله - عز وجل - لم يرد الكفر فجعلوه - عز وجل - لم يشأ الكفر؛ لأنَّ الإرادة عندهم قسم واحد، لم يرد المعصية فجعلوه لم يشأ المعصية، لم يرد الكبيرة جعلوه لم يشأ الكبيرة.

والإرادة كما ذكرنا منها إرادة شرعية ومنها إرادة كونية.

والإرادة الكونية هي المشيئة، وأما الإرادة الشرعية فهي التي تدخل فيها صفة المحبة والرضا لله - عز وجل -.

3- السبب الثالث: دخول العقل في التحسين والتقبيح.

فيجعلون الأفعال التي تقع في ملكوت الله وتقدير الله - عز وجل - للأشياء يدخل فيه العقل مُحَسِّناً ومُقَبِّحاً.

وذلك لأنَّ العقل عندهم أصل، فقالوا: العقل يُعْمَلُ في أفعال الله فما حَسَّنَهُ العقل في أفعال الله صار حسناً وما قبَّحَهُ العقل في أفعال الله - عز وجل - وجب نفيه عن الله - عز وجل -.

وهذه هي المسألة المشهورة بالتحسين والتقبيح العقليين التي لها صلة بالأصول وبالفقه يعني بالتكليف ولها صلة أيضا بمبحث القضاء والقدر.

4- السبب الرابع: الدخول في أفعال الله - عز وجل - وعدم التسليم لمراد الله - عز وجل -.

يعني الخوض في أفعال الله سبحانه وتعالى.

والخوض في أفعال الله - عز وجل - كما ذكر لك الطحاوي في ذلك (ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ) .

(ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ) يعني وسيلة لأن يُخْذَلْ العبد، لأنه معناه أنك تريد أن تصل إلى معرفة سر القَدَرْ وهذا لا يمكن.

(سُلَّمُ الْحِرْمَانِ) لا يمكن أيضاً أن تدخل في أفعال الله فَتُحْرَمْ؛ ولأنَّ هذا سُلَّمُهُ الحرمان فتصل إلى أن تكون محروماً.

وكذلك أنَّه (دَرَجَةُ -من درجات- الطُّغْيَانِ) لأنَّ الإنسان رفع نفسه فوق ما لها، طَغَى وجاوز حَدَّهْ، فحَدَّهُ أن يتعبد الله - عز وجل - بالإيمان والتسليم {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] .

فإذاً السؤال بـ (لم؟) هذا من منشأ الضلال فيمن ضَلَّ في الجبرية وفي القدرية وفي المتحيرين المتشككين الذين أنكروا الشريعة وضَلُّوا وأَلْحَدُوا بسبب الدخول في القَدَرْ.

من المعلوم أنَّ القَدَرْ فيه العِلْمْ، والعلم يتفاوت فيه الناس.

والله - عز وجل - يعلم ما يوافق حكمته - عز وجل -.

الحكمة أين هي؟

ما يريده الله - عز وجل - من الابتلاء في خلقه.

الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك، فأَوْقَعَ في خلقه ما يوافق الحكمة له؛ يعني ما يوافق مراداته في خلقه وحصول الابتلاء في ذاته، والإنسان قد ينظر فيكون علمه قاصراً فلا يصل إلى حقيقة الإدراك.

ولهذا قال بعض السلف وتُنْسَبْ إلى أبي بكر رضي الله عنه (العجز عن الإدراك إدراك)

لم؟ (?)

لأنَّ إدراكات الذكي غير إدراكات البليد فإذا اعْتَرَضَ البليد على الذكي بأنَّ هذا الشيء ليس كذلك لأنَّ هذا ما يُعْقَلْ وهذا ما يحصُلْ فيكون هذا اعتراض لا عن علم وإنما عن جهل فَيُرَدْ على صاحبه فيكون هو المحروم.

مثل جهل بعض الناس مثلاً ببعض الأجهزة.

الكفار من النصارى أوَّل ما اخترع المسلمون الساعة أنكروها وخافوا منها، ورَجَعَ الأمر إلى أنَّ في بعض المخترعات للكفار في العصر الحديث رفضه بعض المسلمين وخافوا منه؛ وذلك لأنَّ ذلك فيه عَجْزَاً عن إدراك حقيقته، فرفضوا لأنهم عجزوا عن إلادراك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015