[المسألة الرابعة: ذكر أنواع شفاعات النبي]

[المسألة الرّابعة] :

أنَّ الشفاعة التي للنبي صلى الله عليه وسلم بما جاء في الأخبار يوم القيامة أنواع:

1- أولاً: الشفاعة العظمى:

وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن يُحَاسَبُوا، فإنَّ الناس يوم القيامة يمكثون زماناً طويلاً في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة، ينتظرون الفرج وهم في شدة كرب وشدة حر وخوف وهلع، ينتظرون الحساب، وينتظرون تبيين المنازل، فيأتون إلى الأنبياء، يأتون إلى آدم يستغيثون به يطلبونه أن يشفع لهم، قال «فيأتون إلى آدم فيقولون له أنت أبونا ألا ترى ما نحن فيه اشفع لنا» فيعتذر عن ذلك متذكراً ذنبه عليه السلام، ثم يأتون إلى نوح فيسألونه، ثم يأتون إلى إبراهيم ثم يأتون إلى موسى ثم يأتون إلى عيسى عَلَيْهِم جميعا السَّلاَمُ، كل أولئك يعتذرون وبعضهم يذكر سؤالاً له وبعضهم يذكر ذنباً له، كما جاء في الحديث الطويل المعروف حديث الشفاعة (?) .

ثم يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول صلى الله عليه وسلم «أنا لها، أنا لها» ، فيذهب فيخر تحت العرش بعد نزول الجبار أ) ، قال صلى الله عليه وسلم «فأحمد الله بمحامد يفتحها عليّ لا أحسنها الآن» فيقال: «يا محمد ارفع رأسك وسل تُعطَ واشفع تشفع» الحديث.

وهذا فيه من جهة السياق ما يدل على أنَّ المراد من هذا السؤال أن يشفع لهم صلى الله عليه وسلم في تحقيق ما طلبوا، وإن لم يرد له ذِكْرٌ في الحديث، في تحقيق ما طلبوا وهو أن يحاسبوا وأن يرتاحوا من الموقف.

فهذه هي الشفاعة العظمى جاءت فيها عدة أحاديث، وعليها التفسير في قوله ? {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79] ، وكما جاء في دعاء المجيب للأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم مقاما محمودا الذي وعدّته) .

(المقام المحمود) هو المقام الذي تحمده عليه الخلائق جميعا، ويُثْنِي عليه به صلى الله عليه وسلم جميع الخلائق الذين وقفوا في الحساب، وهو مقام الشفاعة العظمى؛ لأنه بدعائه صلى الله عليه وسلم وشفاعته يرتاح الناس من ذلك الموقف العظيم الذي لا يُتَصوَّرْ ولا يَعرف هوله إلا من قام فيه، أعاننا الله ? على كرباته وأمننا وإياكم من الفزع الأكبر.

2- ثانياًً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر:

وهذه قد جاء بها الدليل الخاص في قوله صلى الله عليه وسلم «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (?) .

وقد سأل أبو هريرة رضي الله عنه نبينا صلى الله عليه وسلم فقال له (يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟) فقال صلى الله عليه وسلم «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه» (?) خَرَّجَاه في الصحيحين، فقوله «أسعد الناس بشفاعتي» يعني سعيد الناس بشفاعتي، فـ «أسعد» أَفْعَل على غير بابها بمعنى (فَعِيل) ، يعني سعيد الناس بشفاعتي كما قال سبحانه {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24] ، ليس معناه أنهم أحسن مقيلاً من أهل النار، فيشترك أهل النار معهم في حُسْنِ مقيل، بل معنى قوله {أَحْسَنُ مَقِيلًا} يعني حَسَنٌ مقيلهم.

فأفعل ليس على بابها في المفاضلة؛ ولكنها بمعنى المصدر يعني حَسَنٌ مقيلهم، سعيد الناس بشفاعتي ونحو ذلك.

وهذه الشفاعة لأهل الكبائر لها نوعان؛ يعني لعموم اللفظ «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» نوعان:

أ - النوع الأول: قومٍ أَهْلُ كبائر رَجحت سيئاتهم على حسناتهم، فأُمِرَ بهم إلى النار فيَشفع فيهم صلى الله عليه وسلم في أن لا يدخلوا النار، فيُشفَّع فيهم صلى الله عليه وسلم.

ب - النوع الثاني: في أقوامٍ دخلوا النار فيشفع فيهم صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا منها، فيخرجون منها كأنهم الحِمَمْ فيوضعون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحِبَّة في جانب السيل.

3 - ثالثاً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أن يدخل أقوام الجنة بغير حساب ولا عذاب:

وهذه يُستدلّ لها بقول عُكَّاشة في حديثه (يا رسول الله أدعوا الله أن يجعلني منهم) قال (أنت منهم) (?) .

4 - رابعاً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات بعض أهل الجنة:

وهذه يذكرها أهل العلم، ولم يورِدُوا عليها دليلاً بيِّنا، وهي شفاعة متفق عليها حتى عند أهل البدع.

فيُسْتَدَلُّ لها:

@ بالإتفاق.

@ بما استدل به ابن القيم رحمه الله في شرحه على تهذيب سنن أبي داوود حيث قال (ويستدل لها بقوله صلى الله عليه وسلم لما صلى على أبي سلمة «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين» (?) . فقوله «وارفع درجته» دعاء في الدنيا له وهذا معنى الشفاعة) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015