[المسألة الخامسة] :
خالف في الحوض طوائف من أهل البدع، خالف فيه المعتزلة والخوارج والرّافضة.
1- المعتزلة:
أما المعتزلة فخالفوا في إنكاره أصلاً فأنكروا الحوض، وقالوا هذه الصفة التي وردت لا تُعْقَلْ، فردُّوا الأحاديث المتواترة المتطابقة المتتابعة لفظاً ومعنىً، رَدُّوهَا بالعقل فقالوا (الحوض لا يُعْقَلْ وإنما له معنى يُؤَوَلْ إليه) .
فليس عندهم حوض موجود يوم القيامة وإنما هو معنًى من المعاني.
قالوا: فكيف يكون الحوض قبل الصراط وبين الناس وبين الجنة جهنم الكبيرة، ويكون الحوض يُغْذَى من الجنة، والصراط على جهنم؟
يعني أنهم تخيَّلُوا ما ورد في صفة يوم القيامة بعقولهم، ثم بعد ذلك ردُّوا ذلك، ردُّوا بعض الأحاديث مما لا يتناسب مع الوصف العام الذي تخيّلوه.
ومن المعلوم أنَّ السنة إذا ثبتت ولو بالآحاد، فكيف إذا كانت بالتواتر اللفظي والمعنوي، إذا ثبتت فلا يجوز أن يُسَلَّطَ عليها العقل؛ لأنّ الأمر أمرٌ غيبي.
والمعتزلة كما هو معلوم في قاعدتهم يُؤَوِّلُونَ الغيبيات: فأنكروا الصراط وأوّلوا الميزان وأوّلوا الصحف وأوّلوا الحوض إلى غير ذلك، على أساس قاعدتهم من تسليط العقل على النّقل.
فإذاً مخالفتهم مردودة.
وقال بعض أهل العلم: من أنكر الحوض بعد علمه بالتواتر فإنّه يكفر.
ولكن هذا فيه نظر من جهة تطبيقه لأنَّ التواتر قسمان: تواتر لفظي وتواتر معنوي، وقد يُسَلِّمُونَ بصحة النقل لكن لا يُسَلِّمُونَ بصحة الدّلالة.
2- الخوارج والرافضة:
أما الخوارج والرافضة: فمخالفتهم ليست في إثبات الحوض، ولكن في أنهم جعلوا أحاديث الحوض على غير ما هي عليه من جهة الصحابة رضوان الله عليهم.
فقالت الخوارج والرافضة: إنَّ الذين ارْتَدُّوا فلم يَرِدُوا على الحوض هم الصحابة، وأولئك جمع كبير من الصحابة.
فيؤمن الخوارج والرافضة بالحوض لكن يقولون هؤلاء الذين رُدُّوا هم الصحابة ويحتجون بأحاديث الحوض على تكفير الصحابة.
فيقول الرافضة مثلا: إنَّ هؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يُسْلِمْ أو لم يبق على الإيمان بعده صلى الله عليه وسلم من الصحابة إلا نفر قليل والأكثرون كَفَرُوا والعياذ بالله.
والرَّد على هذه الفِرْية من أوجه:
1- الرد الأول:
الألفاظ المختلفة تدلُّ على تقليل العدد، فقال صلى الله عليه وسلم:
- «فيُذاد قوم عن حوضي» هذا في لفظ.
- والثاني «فيذاد أناس عن حوضي» .
- وفي الثالث قال «فأقول يا ربي أصحابي» .
- وفي الرابع قال «فأقول يا ربي أصيحابي» .
فدل ذلك بمقتضى اللغة على أنَّ قوله «يذاد أناس فأقول يا ربي أصيحابي» على أنَّ العدد قليل كما يقول القائل في اللغة (أتاني بنو تميم، إلا قوم منهم لم يأتوا) ، يعني إلا قليل منهم.
فإذا أتت الجملة الكثيرة ثم أُستثني قوم دلَّ على قلة أولئك كيف وقد جاء الحديث فيه ذكر التقليل لقوله «أصيحابي أصيحابي» .
2- الرد الثاني:
أنَّ الذين نقلوا أحاديث الحوض عن النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين زعمت الرافضة أنهم كَفَرُوا، وهم جمعٌ كبيرٌ أكثر من خمسين صحابياً يقول الرافضة إنَّ هؤلاء كفروا، وهم الذين نقلوا أحاديث الحوض.
فنقول: إن كنتم صَدَّقْتُم بأنَّ ما نقله هؤلاء من صفة الحوض وأحاديث الحوض وأنها صحيحة، فكيف تقبلون أحاديث من كفر عندكم؟
وإنّ كان النقل عندكم إنما هو للتكاثر، فكيف يَنْقُلُ هؤلاء الجلة من الصحابة والعدد الغفير أحاديث فيها تكفيرُهم؟
لا شك أنَّ فهم الجمع الغفير، بل عامة الصحابة، بل كل الصحابة لأحاديث الحوض، وكونهم رَوَوهَا وتناقَلُوهَا جميعاً -جميع الصحابة وجميع التابعين- نَقَلُوهَا وتَنَاقَلُوهَا مع تَرَضِّيهِمْ عن الخلفاء الأربعة جميعاً وعن العشرة المبشرين بالجنة ما يَدُلُّ دَلَالَةً قاطعةً على أَنَّ هذا الفهم لتلك الأحاديث لم يكن معروفاً عند الصحابة ولا التابعين ولا تبع التابعين.
وكون فَهْمٍ في الأحاديث يكون غائباً عن الصحابة جميعاً وعن التابعين وعن تَبَعِ التابعين ولا يظهر هذا الفهم إلا بعد مائتي سنة يدلّ على أنَّ هذا الفهم مردود؛ لأنه لم يفهمه أجيال من المسلمين.
وإذا كان كذلك فالقاعدة المتفق عليها (أنَّ الفهم إذا كان مُحْدَثَاً وغابت القرون المفضلة ولم تَفْهَمْ هذا الفهم، فإنَّ معنى ذلك أنَّ هذا الفهم غير صحيح) .
وهذا هو الذي يلاحظ في الواقع، فإنَّ الذين ارتدوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم نفر قليل ممن قاتلوا مع مسيلمة أو كَفَرُوا بعد إسلامهم من شذاذ الأعراب وطوائف ممن قال الله فيهم {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] .
وكلام الرافضة لهم كلام طويل في الاستدلال بأحاديث الحوض على مسألة تكفير الصحابة ليس هذا محل بسطها وبيانها.