[المسألة الرابعة] :
جاء في الأحاديث أنَّ الحوض يُذاد عنه، فقد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يذود أناساً عن الحوض.
وجاء في أحاديث أخرى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه قوم فيعرفهم فيُذادُون عن الحوض؛ يعني يذودهم غيره صلى الله عليه وسلم، فيقول «يا ربي أصيحابي أصيحابي» إلى آخر الأحاديث التي سيأتي توجيهها.
وهذا يدلّ على أنّ التحقيق أنّ الذَّوْد عن الحوض نوعان:
1- الأوّل ذود عام:
وهو ذود النبي صلى الله عليه وسلم غير أمته أن يستقوا من الحوض فيدفعهم أو يمنعهم ويذودهم عن الحوض الخاص بأمته صلى الله عليه وسلم، وهذا الذّود العام منه صلى الله عليه وسلم وإبعاد الناس عن حوضه إلا أمته يفيد فائدتين:
- الفائدة الأولى:
أنه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين به في هذه الأمة رؤوف رحيم، فيريد أن تختص أمته بحوضه، وذلك فيه إكرام لهم ومزيد عناية بهذه الأمة.
- الفائدة الثانية:
أنه قد جاء -كما ذكرنا- أن لكل نبي حوضا، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد من كل كل تابع لنبي ومؤمن بنبي من إخوانه الأنبياء والمرسلين، يريد أن يذهب إلى النبي ليكون أبلغ في ظهور عظم الرسالة -رسالة النبي إلى قومه- ورأفة قومه به، وإظهار لمن آمن بكل نبي على من لم يؤمن بذلك النبي.
وهذا توجيه جيد أفاده عدد من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر رحمه الله ومن تبعه.
2- الثاني ذودٌ خاص:
فهذا يُذاد عن الحوض طائفة قليلة بالنسبة إلى كثرة من يرده، قد جاء فيه أحاديث كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم متعددة: أنه إذا ورد الحوض ورد عليه أناس يعرفهم ويعرفونه ثم يُذَادُونَ عن الحوض؛ يعني يُدفَعُونَ بشدة فيقول «يا ربي قومي قومي» وفي رواية «أصحابي» وفي رواية لأنس في الصحيح «أصيحابي أصيحابي» ، فينادي المنادي «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ، في رواية «إنهم لم يزالوا مرتدّين على أدبارهم مذ تركتهم» ، فهذا دَفْعٌ بشدة عن الحوض لطائفة من المرتدّين ومن المُحْدِثِين.
ولهذا اختلف أهل العلم في هؤلاء الذين يُدفعون عن الحوض من هم؟ (?) على أقوال:
: [[الشريط الخامس عشر]] :
1- القول الأول:
أنّ الذين يُذادُونَ عن الحوض هم الذين ارتدوا من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم، كالذين تبعوا مسيلمة الكذاب أو سجاح أو كَفَرُوا وارتَدُّوا بعد ذلك، وهم قليل.
ويدل على قلتهم أنه صلى الله عليه وسلم قال «يذاد قوم» أو يؤتى كما في رواية أخرى، قال «فيأتيني قوم فيُذادون عن الحوض» وهذا يدل على قلّتهم.
ويدل على ذلك أيضا قوله «يا ربي أصيحابي أصيحابي» . (?)
فقال أهل العلم إنَّ كلمة (قوم) و (أصيحابي) ونحوهما، يدل على قلة العدد لا على كثرتهم.
وهذا يناسب هذا القول؛ لأنَّ عدد الذين ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ممن صحبوه أو حجوا معه حجة الوداع قليل من شرذمة من الأعراب الذين لم يؤمنوا به حق الإيمان.
2- القول الثاني:
أنِّ الذين يُذادون عن الحوض هم المنافقون.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف المنافقين جميعاً فقد قال الله ? له {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] فيأتون يوم القيامة وعليهم سيما أهل الإيمان أو أنهم مع المؤمنين فيظنّهم صلى الله عليه وسلم من المؤمنين به ظاهراً وباطناً، ثم يُذادون فيُدْفَعُونَ عن الحوض بشدة، ويساقون إلى النار فيقول «أصحابي أصحابي» باعتبار ما كان عليه ظاهر أمرهم، فيقول (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) (?) ، (أو إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم مذ تركتهم) .
يعني ظَهَرَ نفاقهم واستبان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
3- القول الثالث:
أنَّ الذين يذادون هم كل من أحدث بعده صلى الله عليه وسلم حدثَاً فَغَيَّرَ في دينه إمَّا بالارتداد عن الإسلام إلى الكفر أو بما هو دون ذلك من المحدثات كالبدع المضلة من أنواع البدع المضلة كبدعة الرِّفض والسبئية والخوارج والنّصب والاعتزال، كل هذه من أنواع المحدثات.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في وصف من يُذاد «فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ، وهذه من جملة أنواع المحدثات.
(وهذا القول الثالث هو أظهر الأقوال لشموله للقولين السابقين، فنقول:
- أولا: الذين يُذادون كما جاء في بعض الأحاديث الذين ارتدوا ممن شارك في حجة الوداع أو صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به إيماناً حقيقياً، فهؤلاء يذادون.
- ثانياً: وأيضاً يذاد المنافقون.
- ثالثاً: وأيضاً يذاد كل أصحاب الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة والرافضة، وأشباه هؤلاء من الفرق الذين ضلوا وأحدثوا في الدين وابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله.
قال بعض أهل العلم: ويُلْحَقْ بذلك أيضاً من افترى على الله عز وجل في دينه؛ يعني كَذَبَ في أمر الدين.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده ونحو ذلك بألفاظ متقاربة من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «سيكون بعدي أمراء فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظُلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد عليَّ الحوض» (?) .
قال في وصف هؤلاء «فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم» يعني يكذبون على الدين وهذا يُصَدِّقُهُم على ذلك ويعينهم على الكذب على الدين ويعينهم على الظّلم، فهذا مُحْدِثْ، ولهذا أُلحق بتلك الفئات بقوله صلى الله عليه وسلم «فليس مني ولستُ منه ولن يرد عليّ الحوض» .