[المسألة الرابعة: ذكر تفاصيل ما جرى في الإسراء والمعراج]

[المسألة الرابعة] :

أنَّ الإسراء والمعراج اختلفت فيها الأحاديث.

فمن الأحاديث ما أُفرد فيه الإسراء دون المعراج، ومنها ما أُفرد فيه المعراج دون الإسراء، وهي في الصحيح وفي غيره.

وما جرى في الإسراء وما جرى في المعراج يؤخذ من مجموع الأحاديث؛ يعني أن تُجمع الرّوايات الصحيحة التي جاءت في الإسراء وجاءت في المعراج، ويُنْظَرْ ما حدث في الإسراء والمعراج.

يعني أنَّ بعض الروايات -مثلاً فيما رواه البخاري في صحيحه- قال «فأتاني جبريل فأخذني فأركبني على البراق فعرجت في السماء-أو فعرج بي إلى السماء- فاستفتح» وهذا فيه نقص؛ لأنَّ العروج في السماء إنما كان بعد الذهاب إلى بيت المقدس.

وفي بعض الروايات فيها نقص.

المقصود أنَّ الإسراء والمعراج تنوعت الروايات فيه، ونبَّه أهل العلم على أنَّ أحد الروايات في الإسراء والمعراج -مما رُوِيَ عن أنس رضي الله عنه أنَّ فيها خلطاً، وهي رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر في البخاري وفي غيره.

ومسلم رحمه الله حينما ذكر الرواية في صحيحه أشار إلى رواية شريك بن عبد الله عن أنس، وقال: فزاد ونقص -يعني شريكاً- فزاد ونقص وقَدَّمَ وأَخَّرَ ولم يسق روايته، وفي روايته أغلاط عند أهل العلم، خالف فيها مجموع أهل العلم الذين رَوَوا ذلك عن الصحابة.

إذاً فمسألة الروايات بها يُعلم ما حصل.

وبالنسبة للمعراج رواية الإسراء فيها يعني الإسراء والمعراج معاً؛ يعني مجموع الروايات، فيه أنَّ فيه وصف الدابة، وفيه تسميتها بالبُراق.

وتسمية هذه الدابة بالبُراق لأمرين:

الأول:

أنها في سرعتها كالبرق، وقد جاء في وصفها أنها -يعني البراق أو أنَّ الدابة- تضع حافرها حيث ينتهي بصرها، ومعلوم أنَّ الإسراء كان بالليل ومعنى ذلك أنها تبصر ليلاً وأنَّ سرعتها عظيمة، فلذلك كان من أوجُهِ تسميتها بالبراق أنَّ سرعتها كالبرق.

2 - الثاني:

أنَّ لها بريقاً، ولذلك جاء في وصفها أنها دابة بيضاء بين البغل والحمار، ذلك لأنَّ لها بريقاً والبريق يؤخذ من البياض.

النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء به مرَّ على أشياء كثيرة حتى وصل إلى بيت المقدس.

قال طائفة من أهل العلم: ارتبط الإسراء بالمعراج مع أنَّهُ لا رابط بينهما من جهة العروج إلى السماء فإنه يمكن أن يكون العروج إلى السماء من مكة، ارتبط الإسراء بالمعراج لأمورٍ؛ يعني لِحِكَمْ فيما استظهروه:

1- الحكمة الأولى: أن يطلع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره على الأرض على أشياء تكون أقوى لحجته إذا سأله المشركون، ولو عُرِجَ به إلى السماء مباشرة فإذا سألوه فلن يكون عنده ما يُقَوِّي حجته عليهم بهذا الأمر، ولهذا لما رجع سألوه فأخبرهم عن خبر قافلة، فلما رجع أهل القافلة سألوهم فقالوا: نعم حصل كذا وكذا.

2- الحكمة الثانية: أنَّ فيها إظهاراً للترابط ما بين مكة وما بين بيت المقدس، وأنَّ بيت المقدس كان قبلة وأنَّ مكة كانت قبلة، فلم يَتَوَجَه أتباعُ الأنبياء إلا إلى: بيت المقدس وإلى مكة المكرمة -يعني إلى الكعبة-.

3-الحكمة الثالثة: أن يظهر فضل محمد صلى الله عليه وسلم حيث يلتقي بالأنبياء في بيت المقدس ثم يصلي بهم.

وقد جاءت روايات مختلفة صحيحة في دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى.

ففيها أنه دخل فقال له جبريل صَلِّ ركعتين، فصلى ركعتين أو صلى جبريل ركعتين، ثم وجد الأنبياء ووجد صفوفاً خلفه فصف معهم، ثم قَدَّمَه جبريل عليه السلام فصلى بهم.

ففي هذا إظهار لفضله صلى الله عليه وسلم ولمكانته ومَزِيَّتِهِ بالإمامة على سائر الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

أيضا مما يذكر في الإسراء أنَّه صلى الله عليه وسلم مَرَّ بموسى في قبره.

قال -كما رواه مسلم - «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بمُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي قَبْرِهِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ» (?) .

وهذا الحديث رواه مسلم في الصحيح، وطائفة من أهل العلم قالوا: إنَّ في هذا الحديث شذوذاً أو نكارة ولم يقبلوه، والأكثرون على قَبوله؛ يعني أن هذا الحديث صحيح، وابن القيم رحمه الله وجماعة ممن يميلون إلى أنَّ فيه مقالاً.

أيضا مما حدث في الإسراء أنَّ أهل العلم اختلفوا في الدَّابة: هل رُبِطَتْ أم تُرِكَتْ؟

فأنكر طائفة أن تكون رُبِطَتْ في الصخرة.

وقَبِلَ هذه الرواية أكثر أهل العلم فقالوا: إنَّ جبريل وَخَزَ الصخرة فانثقبت فربط الدابة فيها.

أما المعراج فلما عُرج به صلى الله عليه وسلم أتوا إلى السماء الأولى فاستفتح جبريل.

فقيل له: أمعك أحد؟

قال: نعم.

قيل من؟

قال: محمد بن عبد الله.

فقيل له: (أَوَقَدْ بعث؟) أو (أَوَقَدْ أرسل؟) أو (أَوَقَدْ أوحي إليه؟)

فقال: نعم، فَفُتِحْ له.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلما ولجنا السماء وجدتُ فيها آدم عليه السلام -يعني السماء الأولى- إلى آخره، فقيل لي: هذا أبوك آدم فسلِّم عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015