[المسألة الثالثة] :
الإسراء والمعراج هل وقعا بجسد النبي صلى الله عليه وسلم أم بروحه؛ يعني بجسده وروحه، أم بروحه فقط، أم كانا مناما؟
اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في ذلك:
- فقالت طائفة: كان الإسراء والمعراج بروحه.
- وقال آخرون: بل بروحه وبجسده.
ولم يقل أحد منهم: إنَّ الإسراء والمعراج كانا مناما، فلهذا لا يسوغ أن يُنْسَبْ هذا القول للسلف؛ بل قاله بعض العلماء الذين لم يُدَقِّقوا الفرق بين قول من قال: إنه روح وبين أن يكون مناماً.
والصواب الذي عليه عامة أهل السنة؛ أكثر أهل السنة: أنه كان بجسده وروحه معاً في الإسراء والمعراج، ولم يقل أحد من المنتسبين لأهل العلم -فيما أعلم-: إنه أُسري بجسده وروحه وعرج بروحه فقط، وإنما ثَمَّ اتفاق ما بين الإسراء والمعراج؛ لأنه لم يقل أحد أنه ذهب ونام في بيت المقدس. (?)
: [[الشريط الرابع عشر]] :
إذاً نقول: الصواب أنَّ الإسراء والمعراج كانا بروحه وجسده معاً.
ويدلُّ على ذلك أدلة منها:
1- أنَّ الله - عز وجل - قال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:1]
قوله {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} العبد: اسم للجسد والروح معاً، وليس اسماً للروح، وإنما الروح تُخَصُّ بالإضافة، فيقال: روح العبد، «روح عبدي فلان» ، كما جاء في بعض الأحاديث، وكذلك الجسد يُخَص، فيقال: جسد فلان، أو جسد عبدي فلان؛ يعني إذا كان من الله - عز وجل -.
أما إطلاق لفظ العبد أو الإنسان فإنه يكون لمجموع الروح والجسد.
فإذاً في قوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} دليل على أنَّ الإسراء كان بالروح والجسد معاً، وإذا كان في الإسراء كذلك، فالمعراج كان بهما جميعا.
2- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه كان مضطجعاً في بيته، أو في بيت أم هانئ، ففُرِج السقف فنزل جبريل، وفي رواية (أنه صلى الله عليه وسلم كان مضطجعا في الحطيم) (?) -في الصحيحين- فأخذه جبريل فشق صدره ما بين ثُغرَةِ نحره إلى أسفل بطنه، استخرج قلبه إلى آخره، وهذه إنما تكون للجسد، ولا معنى للإسراء بالجسد بدون روح، فصار ثَمَّ تلازم ما بين الإسراء بالجسد والروح معاً.
إلى أدلة أخرى في هذا المقام معروفة.