فالقرينة عندهم عقلية بحتة وليست نصاً، القرينة عقلية في أنَّ هذه الأشياء ظاهرها يماثل صفات المخلوقين، يشابه صفات المخلوقين، فلذلك يجب أن نَنْفِي هذا الظاهر.

وهذا في الحقيقة ليس هو ظاهر النص.

ظاهر النص ليس فيه الكيفية، ظاهر النص ليس فيه كمال المعنى.

وإنما ظاهر النص الذي يجب الإيمان به أنَّ فيه أصل اتصاف الله - عز وجل - بالصفة.

فنؤمن بأنَّ الله - عز وجل - ذو وجه - عز وجل -، وأنه سبحانه مُتَّصِفٌ بصفة السمع.

لكن كيف يسمع؟

يسمع دبيب النملة على ظهر الصخرة الملساء.

كيف حصل هذا السمع؟

تمام معنى السمع لا نستطيع أن ندخل فيه، وإنما نقول الله - عز وجل - موصوفٌ بصفة السمع وله من هذه الصفة كمالها؛ كمال هذه الصفة، الكمال المطلق.

لكن هل نستطع أن نخوض في تفصيلاته؟

لا نستطيع.

كذلك صفة الوجه، صفة اليدين، إلى غير ذلك من الصفات.

فإذاً هو إِثْبَاتُ وجود لا إثبات كيفية، إثبات اتصاف بالصفة لا إثبات كيفية.

فإذاً الذين سَلَّطُوا القرينة سَلَّطُوهَا بشيءٍ مُتَوَهَّمْ، فلهذا لا يَصِحُّ أن يُقَال إنهم طَبَّقُوا قاعدة التأويل، بل هم حرَّفوا؛ لأنهم جعلوا للنص دِلَالَة بأوهامهم خلاف دلالة النص، ثم بعد ذلك سلطوا عليها تأويلهم.

لهذا قال طائفة من أهل العلم (كل مُؤَوِّلْ مُمَثِّلْ، كل مُؤَوِّلْ مُشَبِّهْ) .

لأنه لا يمكن أن يُؤَوِّلْ إلا وقد قام في قلبه من دِلَالَةِ النص التشبيه أو التمثيل، هذا واحد.

الأمر الثاني نقول لهم: إذا لم تُسَلِّمُوا بذلك وقلتم:

إنَّ تأويلنا كان لأصل المعنى وليس لما قام في أوهامنا وفي أذهاننا.

فنقول يلزم من ذلك أن تُأَوِّلُوا صفة السمع، يلزم من ذلك أن تُأَوِّلُوا صفة البصر، يلزم من ذلك أن تُأَوِّلُوا صفة الكلام، فما الفرق بين صفة الكلام لله - عز وجل - وصفة السمع والإرادة والحياة وصفة الرحمة؟ ما الفرق بينها؟ ما الفرق بين هذه الصفات وبين صفة اليدين؟

فإذاً في صفة السمع: للمخلوق سمع، فالمشابهة حاصلة بحسب أفهامهم.

فالنص الذي به أَثْبَتُّمْ صفة السمع والبصر وصفة الكلام هو النص الذي أُثْبِتَتْ به سائر الصفات.

فلِمَ لم تتعرضوا لهذا بتأويل وتَعَرَّضْتُم للآخر بتأويل؟

إنْ كان الآخر أخذتم كما قلتم أصل المعنى فأوّلتم، فهذه أنتم أخذتم أصل المعنى فيلزمكم التأويل.

إذاً فالحاصل من هذا أنَّ كل مؤول لا يصح أن يقال إنه مُؤَوِّل؛ بل هو مُحَرِّفْ لأَنَّ التأويل لا ينطبق على قاعدته، لا ينطبق على هذه الحالة.

فالنصوص الغيبية بابها باب واحد، تطبيق القاعدة الأصولية التي هي التأويل لا يصلح على هذه المسائل، المسائل الغيبية لما ذكرته لك.

تتميم للمسألة، إذاً قول الطحاوي هنا دقيق للغاية يُتنبه لقوله، قَالَ (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ) .

إذا أردت أن تُطَبِّقْ قاعدة التأويل فتخرج منها وسَتَسْتَنْتِجْ منها أنَّ التأويل تَرْكُ التأويل.

كيف؟

إذا قلنا إنَّ القرينة غير ممكنة؛ لأنَّ هذا المعنى غيبي، فإذاً سينتج منه أنَّ القاعدة غير منضبطة.

فإذاً التأويل سَيُؤَدِّيْكَ إلى ترك التأويل؛ لأنَّ القاعدة غير جائية وسارية في مسائل الغيبيات.

وهذه كلمة دقيقة منه رحمه الله (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ) لأنك لو طَبَّقْتَ قاعدة التأويل نَتَجَ منها تَرْكُ التأويل.

التأويل: يعني أن تترك التأويل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015