[المسألة الرابعة: أن أهل السنة عندهم النفي مجملا والإثبات مفصلا والعكس عند أهل البدع]

[المسألة الرابعة] :

أَنَّ إثبات الصفات لله - عز وجل - قاعدته مأخوذةٌ من هذه الجملة (وَلا شيءَ مثْلُهُ) .

فإثبات الصفات مأخوذ من قوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، فنفى - سبحانه وتعالى - وأَثْبَتْ.

وعند أهل السنة والجماعة أنَّ النفي يكون مُجْمَلَاً (لا شيءَ مثْلُهُ) ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وأنَّ الإثبات يكون مُفَصَّلَاً {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

وهذا بخلاف طريقة أهل البدع فإنهم يجعلون الإثبات مُجْمَلَاً، والنفي مُفَصَّلَاً، فيقولون في صفة الله - عز وجل -: إن الله ليس بجسمٍ ولا بشبحٍ ولا بصورةٍ ولا بذي أعضاء ولا بذي جوارح ولا فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن شمال ولا قُدّام ولا خلف وليس بذي دم ولا هو خارج ولا داخل. إلى آخر تصنيفهم للمنفيات، وإذا أتى الإثبات، إنما أثبتوا مُجْمَلَاً.

فصار نفيهم وإثباتهم على خلاف ما دَلَّتْ عليه الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

فطريقة أهل السنة أنَّ النفي يكون مُجْمَلَاً وأن الإثبات يكون مُفَصَّلَاً على قوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

والنفي المُجْمَلْ فيه مدح، والإثبات المُفَصَّلْ فيه مدح.

والنفي المُجْمَلْ والإثبات المُفَصَّلْ من فروع معنى استحقاق الله - عز وجل - للحمد.

والله سبحانه أثْبَتَ أنه مَحْمُودٌ ومُسَبَّحٌ في سماواته وفي أرضه - عز وجل -، كما قال سبحانه {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] ، وكقوله {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم:18] ، وكقوله {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] ، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (?) ، ونحو ذلك.

والجمع بين التسبيح والحمد هو جَمْعٌ بين النفي والإثبات؛ لأنَّ التسبيح نفي النقائص عن الله فجاء مُجْمَلَاً، والحمد إثبات الكمالات لله - عز وجل - فجاء مفصلاً.

فإثبات الكمالات من فروع حمده ـ، ولهذا صار محموداً - عز وجل - على كل أسمائه وصفاته، وعلى جميع ما يستحقه سبحانه، وعلى أفعاله - عز وجل -.

وتنزيهه سبحانه بالنفي - يعني بالتسبيح - أنْ يكون ثَمَّ مُمَاثِلْ له سبحانه وتعالى.

فمعنى (سبحان الله) تنزيهاً لله - عز وجل - عن أن يماثله شيء أو عن النقائص جميعاً.

والحمد إثبات الكمالات بالتفصيل.

فإذاً من نَفَى مُجْمَلَاً وأثْبَتَ مُفَصَّلَاً، فإنه وافق مقتضى التسبيح والحمد الذي قامت عليه السموات والأرض.

ومن نفى مُفَصَّلَاً وأثبت مُجْمَلَاً، فقد نافى طريقة الحمد والتسبيح الذي قامت عليه السماوات والأرض.

لهذا صارت طريقة القرآن أن يكون النفي مُجْمَلَاً والإثبات مُفَصَّلَاً، وطريقة أهل البدع بعكس ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015