[المسألة الثالثة] :
الفرق ما بين المماثلة والمثلية وبين التشبيه.
ولتقرير ذلك تنتبه إلى أنَّ الذي جاء نفيه في الكتاب والسنة إنما هو نفي المماثلة.
أما نفي المشابهة؛ -مشابهة الله لخلقه- فإنها لم تُنْفَ في الكتاب والسنة؛ لأنَّ المشابهة تحتملُ أن تكون مشابهةً تامة، ويحتمل أن تكون مشابهةً ناقصة.
فإذا كان المراد المشابهة التامة فإنَّ هذه المشابهة هي التمثيل وهي المماثلة، وذلك منفِيٌ، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] .
فإذاً لفظ المشابهة ينقسم:
- إلى مُوَافِقٍ للمماثلة، الشَبِيهْ موافِقٌ للمثيل وللمِثِلْ.
- وإلى غير موافق.
يعني قد يشترك معنى الشبيه والمثيل ويكون المعنى واحداً، إذا أُريْدَ بالمشابهة المشابهة التامة في الكيفية وفي تمام معنى الصفة.
وأمَّا إذا كان المراد بالمشابهة المشابهة الناقصة وهي الاشتراك في أصل معنى الاتصاف، فإنَّ هذا ليس هو التمثيل المنفي، فلا يُنْفَى هذا المعنى الثاني، وهو أن يكون ثَمَّ مشابهة بمعنى أن يكون ثَمَّ اشتراك في أصل المعنى.
وإذا كان كذلك فإنَّ لفظ الشبيه والمثيل بينهما فرق -كما قَرَّرْتُ لك- ولفظ المشابهة لفظ مجمل لا يُنْفَى ولا يُثْبَتْ.
وأهل السنة والجماعة إذا قالوا: إنَّ الله - عز وجل - لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء يعنون بالمشابهة المماثلة.
أما المشابهة التي هي الاشتراك في المعنى فنعلم قَطْعَاً أنَّ الله - عز وجل - لم ينفها؛ لأنه سبحانه سَمَّى نفسه بالملك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ، {الْمَلِكُ الْحَقُّ} (?) وسَمَّى بعض خلقه بالمَلِكْ {وَقَالَ الْمَلِكُ} (?) وأشباه ذلك من الآيات، وكذلك سَمَّى نفسه بالعزيز، وسَمَّى بعض خلقه بالعزيز، وكذلك جَعَلَ نفسه سبحانه سميعاً، وأخبرنا بصفة السمع له، والبصر، والقوّة، والقدرة، والكلام، والاستواء، والرحمة، والغضب، والرضا وأشباه ذلك، وأثبت هذه الأشياء للإنسانِ فيما يناسبه منها.
فَدَلَّ على أَنَّ الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأنَّ كلام الله - عز وجل - حق وبعضه يفسر بعضاً.
فَنَفَى المماثلة سبحانه بقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وأثبت اشتراكاً في الصفة.
وإذا قلتُ اشتراكَاً ليس معنى ذلك أنها من الأسماء المُشْتَرَكَة في الصفات، ولكن أثْبَتَ اشتراكاً في الوصف يعني شَرِكَةً فيه، فإنَّ الإنسان له مُلْكْ والله - عز وجل - له الملك، والإنسان له سمع والله - عز وجل - له سمع، والإنسان له بصر والله - عز وجل - له بصر، وهذا الإثبات فيه قَدْرٌ من المشابهة، لكنَّهَا مُشَابَهَةٌ في أصل المعنى، وليست مشابهة في تمام المعنى ولا في الكيفية.
فتحَصَّلَ من ذلك أنَّ المشابهة ثلاثة أقسام:
1 - الأول: مشابهة في الكيفية، وهذا ممتنع.
2 - الثاني: مشابهةٌ في تمام الاتصاف ودلالة الألفاظ على المعنى لكمالها، وهذا ممتنع.
3 - الثالث: مشابهة في معنى الصفة - في أصل المعنى - وهو مطلق المعنى وهذا ليس بمنفي.
ولهذا صار لفظ التمثيل، ونفي التمثيل، ونفي المِثْلِيَّة شرعياً؛ لأنه واضح، دلالته غير مجملة.
وأما لفظ المشابهة فإنَّ دلالته مجملة فلم يأتِ نفيه.
ونحن نقول إنَّ الله - عز وجل - لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء - سبحانه وتعالى -.
ونعني بقولنا (لا يشابهه شيء) معنى المماثلة في الكيفية أو المماثلة في تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه.