وكذلك كفار قريش لما جحدوا نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون صدقه، كما في الحديث: {لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي، قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا} .
وكذلك {لما نزلت أول سورة فصلت وقرأها عليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قوله تعالى: َإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13] فقَالَ عتبة: (يا مُحَمَّد ناشدتك الله والرحم) فخاف مع ادعائه أنه كذب وسحر وأساطير الأولين، قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] .
فتكذيب فرعون من هذا القبيل؛ لأن قضية وجود الله فطرية.
وكذلك الثنوية الذين يقولون: إن للعالم صانعين هما: النور والظلمة، لم يدّعوا أنهما متماثلان، ولذا قالوا: إن الإله الحق هو النور، ويحبونه ويجعلون له صفات الله، وأما الظلمة: فإنهم يجعلون له صفات الشيطان، وقال بعضهم: إن النور قديم واجب الوجود وهو الخالق، وأما الظلمة فهي محدثة مخلوقة، فالمجوس إذاً لا يثبتون حقيقة إلا رباً واحداً.