بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل، بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف.
ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قَالَ: إن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال، فإن الثنوية من المجوس، والمانوية القائلين بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما: متفقون عَلَى أن النور خير من الظلمة. وهو الإله المحمود، وأن الظلمة شريرة مذمومة، وهم متنازعون في الظلمة، هل هي قديمة أو محدثة؟
فلم يثبتوا ربين متماثلين.
وأما النَّصارَى القائلون بالتثليث، فإنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل هم متفقون عَلَى أن صانع العالم واحد، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه، وفي التعبير عنه، لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان عَلَى معنى واحد، فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم! والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص، وتارة بالصفات، وتارة بالأشخاص. وقد فطر الله العباد عَلَى فساد هذه الأقوال بعد التصور التام، وفي الجملة فهم لا يقولون بإثبات خالقين متماثلين.
والمقصود هنا: أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين، مع أن كثيراً من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في إثبات هذا المطلوب وتقريره، ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل وزعم أنه يتلقى من السمع] اهـ.
الشرح:
هذا الكلام كله في قضية واحدة معلومة لدى الجميع وهي: أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خالق كل شيء وحده لا شريك له.
إثبات وجود الله قضية فطرية