فالله تَعَالَى يذمهم بالجهل، ويعيب عليهم أنهم لا يعلمون هذا التأويل، وتأويله لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، وأولئك الذين يتبعون الفتنة ليسوا من الراسخين في العلم، ومن هنا يخرج قول ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لما قَالَ: (أنا من الراسخين في العلم) فنافع بن الأزرق الذي أوَّل كتاب الله، واستحل دماء الْمُسْلِمِينَ، لو ردَّ هذه الآيات إِلَى الراسخين في العلم من آيات الوعد والوعيد وغيرها إِلَى أمثال ابن عباس رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما لما وقعت الفتنة، ولكنه ردها إِلَى عقله وهواه، فقَالَ: هَؤُلاءِ كفار واستحل دمائهم وأموالهم.

فلذلك ذهب المُصْنِّف إِلَى أن الأرجح في الآية: أن يكون التأويل فيها بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الشيء إذا وقفنا عَلَى قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ويكون الوقف عَلَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ إذا كَانَ المقصود بالتأويل هو المتشابه الإضافي.

الوقف على "إلا الله " ارجح

لكننا نقول: ما ميزة الراسخين في العلم وبمقدور كل إنسان أن يقول: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا؟ نقول: إذا كَانَ الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله ولكنهم يؤمنون به وبمعانيه وبحقائقه وهم لا يعلمونها، فأولى وأحرى بمن كَانَ دونهم من الجهال والعوام والأتباع أن يتأسوا بهم، وهذا معنى عظيم في الآية.

فلا يتجرأ بعد ذلك مبتدع أو صاحب شبهة في التعدي والتقول عَلَى الله تعالى، وليقف حيث وقف القوم هذا هو الذي يقوي وجهة نظر القائلين بأن الوقف أولى.

وتعبير المُصْنِّف [المتشابه في نفسه الذي لا يمكن أن يعرفه أحد؛ لأنه في ذاته متشابه] كما إذا قلنا: إن حقائق اليوم الآخر لا يمكن أن يعرفها أحد، لأنها في ذاتها متشابه، أي: يدق معناها، ويصعب فهمها في ذاتها فلذلك نؤمن بها. هذا هو المتشابه في نفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015