يقول المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: [ومنه تأويل الرؤيا وتأويل العمل] أي: تفسيرها الذي ستقع وفقه، فملك مصر رأى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ [يوسف:43] فأرادوا تأويلها، فالذين لا علم لهم قالوا: أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44] لكن الذي أعطاه الله تَعَالَى العلم وعلمه من تأويل الأحاديث، قَالَ: هذه السبع السمان هي السنوات المخصبة التي فيها الخصب والنماء: يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ [يوسف:43] أي: يأتي بعد ذلك سبع سنين فيها جدب وقحط، فيأكل النَّاس ويستهلكوا ما ادخروه في أيام الخصب، فهذا تأويلها وتفسيرها، وكذلك لمَّا رأى يوسف عَلَيْهِ السَّلام الرؤيا، فقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4] ثُمَّ قَالَ: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ [يوسف:100] وقد قيل: إن بين الرؤيا وبين وقوع التأويل أربعون سنة، فتأويلها إذاً تفسيرها أو وقوعها، وتأويل العمل تفسيره، وبيان لماذا وقع بهذه الكيفية أي: بيان الحكمة.
ومثال آخر قوله تَعَالَى حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا [الكهف:71] تعجب موسى عَلَيْهِ السَّلام: كيف يحسنون إلينا ويركبوننا في السفينة ثُمَّ نخرقها؟!
وبعدها لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ [الكهف:74] فَقَالَ موسى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْس [الكهف:74] كأنه يقول: ما ذنب هذا الغلام الصغير حتى تقتلته؟
وفي الثالثة يذهب موسى والخضر إِلَى قرية من القرى فيستطعموا أهلها فيأبوا أن يضيفوهما، ثُمَّ يجدون فيها جداراً يريد أن ينقض فيقيمه الخضر حتى لا يسقط، فيتعجب موسى من ذلك فيقول: لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف:77] .