بمعنى: أن بعض الألفاظ ليست عَلَى ظاهرها بإطلاق، لكن هذه الألفاظ ليست في باب الصفات والعقائد ولكنها في باب الأحكام، فمثلاً: الألفاظ العامة التي ورد ما يخصصها، فلا يراد به ظاهر اللفظ لأنه ما دام أنه قد خصص فلا يراد به الظاهر بإطلاق، وإنما يراد ظواهر الألفاظ العامة فيما لم يخصص، وكذلك المطلق: فإن الألفاظ جاءت في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- مطلقة وورد تقييدها إما في القُرْآن وإما في السنة فلا نأخذ بظاهر المطلق في كل شيء؛ ولكن فيما لم يقيد، وكذلك الألفاظ المجملة لا يؤخذ بظاهرها مطلقاً، وإنما يؤخذ بظاهر الذي لم يبين، والأمثلة عَلَى ذلك كثيرة جداً.
معنى النسخ عند السلف وعند المتأخرين
كان السلف الصالح -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يسمون العام الذي خصص أو المطلق الذي قيد نسخاً، ففي أيام الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كانوا يسمون بعض الأحكام محكمة وبعضها منسوخة كما في آية: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] فالمنسوخ عندهم أي: الذي قيد أو خصص أو بُيِّن، فعدم إرادة الظاهر بإطلاق يسمى عندهم في الجملة منسوخ، لكن علماء الأصول المتأخرين حددوا هذه الألفاظ بتحديدات اصطلاحية فنية، وذهبوا إِلَى أن النسخ هو تغيير الحكم أو تبديله، وأن تخصيص العام وتقييد المطلق وبيان المجمل لا يسمى نسخاً.
فمثلاً: كل لفظ جَاءَ في الحث عَلَى إقامة الصلاة فهذا لفظ عام يشمل جميع الْمُسْلِمِينَ، لكن الحائض والنفساء، لا تدخل في هذا اللفظ العام. إذاً هذا العموم يُخصُ منه الحائض والنفساء، ومثل: عتق الرقبة في الكفارات، فقد جعل في بعض الآيات مطلقاً وفي بعضها مقيداً بالإيمان، كما قال تعالى:: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] فذاك يسمى إطلاق وهذا يسمى تقييد وكذلك الآيات التي جاءت تدل عَلَى الجهاد مثل آيات الاستنفار انْفِرُوا خِفَافاً [التوبة:41] .