وهذا الكلام المنقول عن أبى يوسف قد نقله المُصنِّفُ في أول الكتاب وأيضاً نقله في موضع آخر، فهو يستشهد به أكثر من مرة -رَحِمَهُ اللهُ- لأنه من الكلام النفيس الذي يقوله هَؤُلاءِ العلماء، الشاهد أن علماء السلف كأبي يوسف والشَّافِعِيّ يقولون مثل هذا الكلام الذي يحمل الدرر، والذي إذا قرأه الإِنسَان أخذ منه العبرة والعظة.

وقد ذكرهما الحافظ ابن عساكر بسنده إِلَى كل منهما في كتاب تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري صفحة (333) و (335) إلا أن الكلام الذي نُقل عن أبي يوسف نقل أيضاً عن الشعبي، ولكن الراجح أنه لأبي يوسف، وليس للشعبي لأن وفاة الشعبي متقدمة ولم يكن في عصره قد اشتهر علم الكلام، فالصحيح أنه لأبي يوسف.

ومعنى قوله: من طلب الدين بالكلام تزندق وذلك لأن علم الكلام يفضي إلي الشك والحيرة وهي الزندقة أو بابها ومن طلب المال بالكيمياء أفلس وكانوا يظنون أنه عن طريق الكيمياء يمكن تحويل المعادن الخسيسة إِلَى معادن نفيسة، وهذا عجزت عنه الكيمياء الحديثة، لأن الذهب لا يمكن أن يستخرج من الرصاص وإلا فالكيمياء الحديثة أقدر عَلَى ذلك ولو أمكن ذلك لما كَانَ هناك أزمة ذهب أو أزمة عملة صعبة كما يسمونها، لكن الذهب هو الذهب فطلبوا استخراج الذهب من غيره وفي هذا جهد ومشقة وضياع وقت وعمر.

والثالثة: من طلب غريب الحديث كذب، أي: أن الإِنسَان إذا أراد أن يجمع الحديث، واستكثر من غرائب الحديث اضطر إِلَى أن يكذب؛ لأن غريب الأسانيد أو غريب الألفاظ أو كلاهما أصبح مطلوباً، وهو ظاهر في المتأخرين أكثر منهم في المتقدمين، وهذه الثلاثة التي ذكرها أبو يوسف نتيجتها واحدة وهي الخسارة.

نقل ابن عساكر لكلام الشافعي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015