ومن هنا نعلم أن علماء الإسلام ينهون عن علم الكلام، وأن هذا أقدم عَلَى علم الكلام وهو يعلم أن علماء الإسلام ينهون عنه، والجويني مذهبه شافعي، ومن أكثر الأئمة الذين ثبت عنهم ذم علم الكلام الإمام الشَّافِعِيّ كما ذكر ذلك الحافظ ابن عساكر بالسند في كتابه " تبيين كذب المفتري " وكما ذكر المُصْنِّف - رَحِمَهُ اللَّهُ- هنا، فالجويني، والغزالي، والجويني، ومعظم أئمة الأشعرية شافعية، وتراهم يُقدمون عَلَى هذا العلم وهم يعلمون أن إمام مذهبهم ينهى عنه.
ثُمَّ يقول الجويني بعد ذلك عندما حصحص الحق وجاء اليقين، وأصبح الإِنسَان في حال إقبال عَلَى الآخرة، وإدبار من الدنيا وعندما لا ينفع الجاه ولا العلم، ولا التلاميذ، ولا الشهرة، ولا أقوال الناس، في تلك اللحظة التي يتخلى فيها الإِنسَان عن كل شيء وتتضح له حقيقته ونفسه وتنتهي كل البهارج والزخارف، يقول: والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني: يسأل الله الرحمة وألا يبتلى عند الموت، وألا يكون اشتغاله بعلم الكلام وخوضه فيما نهى عنه علماء الإسلام سبباً لسوء الخاتمة عافانا الله من ذلك؛ لأن الإِنسَان عند الموت غالباً ما يختم له بما كَانَ يشغل به نفسه في الدنيا، كما ذكر ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الجواب الكافي أمثلة كثيرة في ذلك فكل من كَانَ مشغولاً بشيء في الدنيا تمثل عند موته سواء كَانَ مشغولاً بالتجارة أو بالعشق أو بالمال أو بالمتاع الزائل، أوبالأغاني أو بالمنصب؛ لأن الموت فراق لما يحب الإِنسَان فأي شيء كَانَ الإِنسَان يحبه، ويتأمل فيه يتذكره عند الموت، ومن كَانَ متعلقاً بالله، ومتعلقاً بالمساجد وبالذكر، فإنه يتذكر ذلك ويأتيه ذلك عند الموت، ونِعْمَ ما يتذكر حينئذ.