والسادس: أبو المعالي الجويني، والمصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ- لم يراع الترتيب التاريخي، يقول الجويني: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إِلَى ما بلغ ما اشتغلت به، وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت عَلَى عقيدة أمي، أو قَالَ: عَلَى عقيدة عجائز نيسابور!..".

هذا الكلام ذكره الحافظ الذهبي رَحِمَهُ اللَّهُ في ترجمة أبي المعالي في سير أعلام النبلاء.

وذكره شَيْخ الإِسْلامِ في التسعينية في علم الكلام.

وذكره الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ أيضاً في فتح الباري، في كتاب التوحيد، والكلام مشهور عن الجويني.

ولمَّا تاب الجويني من علم الكلام ألف كتاب اسمه النظامية وهي الرسالة التي ألفها باسم نظام الملك وزير السلاجقة يقول فيها: "لما رأيت علماء الإسلام وهم الصحابة والتابعون منصرفين عن التأويل وهم أعلم النَّاس بالدين، وأحرصهم عَلَى حفظه ... ثُمَّ قَالَ: ولو كَانَ ذلك خيراً لكانوا أسبق إليه من غيرهم".

وهذا دليل فطري منطقي سليم، لصاحب المنطق السليم الصحيح، فلا يمكن أن تُطبق القرون الثلاثة المفضلة عَلَى عدم التأويل، ويكون ذلك خطأً أو مفضولاً أو مرجوحاً ثُمَّ يأتي بعد ذلك من يؤول ويقول: تأويله هو الأعلم والأحكم والأسلم لا يمكن ذلك أبداً، وعلى هذا بنى رسالته النظامية، وهو يميل فيها إِلَى التفويض كما مر- ويظن أن مذهب السلف هو التفويض المطلق، يعني: تفويض المعنى والكيفية، وتقدم الفرق بينهما وأن السلف يفوضون في الكيفية، وأما المعاني فهم يثبتونها لصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما فهمها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه والسلف الصالح، والمفسرون وعلماء اللغة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015