والمشكلة أنهم يقولون هذا الكلام الصريح الجلي ويأتي تلاميذهم وينسون هذا الكلام، ويأخذون بما في كتبهم، وهكذا الجويني رأى مارآه الرازي ثُمَّ أعلن توبته كما سيأتي، ثُمَّ جَاءَ أبو حامد الغزالي تلميذه وأخذ يسلك المناهج وفي الأخير تاب أبو حامد، وعندما جَاءَ من بعده الرازي لم يقل: نبدأ من حيث انتهى الغزالي، فنبدأ من صحيح البُخَارِيّ بل بدأ بما نهى عنهالغزالي وألف في ذمه كتاب إلجام العوام عن علم الكلام ثُمَّ جَاءَ الرازي واشتغل طول عمره في علم الكلام، وفي الأخير عند الموت وإذا به يقول: هذا الكلام، ويقول: أقرب الطريق طريقة القرآن، ثُمَّ أتى الإيجي صاحب المواقف الذي هو حجة في علم الكلام عند أكثر أهل الكلام في هذا العصر، فترك كلام الرازي الأخير، وأخذ ينقل من كلامه في الأربعين، ومن كلامه في التفسير.
وهكذا نجد الخطأ يتكرر، وهذا من أعجب العجب! فالعاقل يتعظ بغيره، لكن هَؤُلاءِ لا يتعظون بقول الرازي: من جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. الذي يتعظ بغيره لا يحتاج أن يجرب، ثُمَّ ضم إِلَى هذه العبارة قول أبي حامد الغزالي: "وهذا يعني ذم علم الكلام إذا سمعته من محدِّث أو حشوي ربما خطر ببالك أن النَّاس أعداء ما جهلوا" لأن أهل الحديث يكرهون علم الكلام.
يقول: [فاسمع هذا ممن خبر الكلام -يعني: نفسه- ثُمَّ قاله بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إِلَى منتهى درجة المتكلمين] أي خذ هذا الذم لعلم الكلام ممن بلغ هذه الدرجة، وبعد هذا أين من يعتبر؟ وأين من يتعظ؟ فهَؤُلاءِ أربعة: ابن رشد، الآمدي، الغزالي، الرازي قد قالوا هذا الكلام.
حيرة الإمام الشهرستاني وتوقفه
الخامس أبو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الكريم الشهرستاني، وهذا أيضاً لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم حيث قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم