أفهم بجلاء وبوضوح أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فوق المخلوقات، عالٍ عَلَى جميع المخلوقات سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مع أن الرازي له كلام شديد وطويل في نفي العلو، فَيَقُولُ: دعك من هذا كله واقرأ في الإثبات الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10] وإذا بك تجد نفسك مؤمناً بعلو الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وبجميع الصفات، التي وردت في الإثبات ثُمَّ قَالَ: واقرأ في النفيلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] الآية تكفيك من أن تقول: ليس بجوهر ولا عرض، ولا مادة ولا مركب ولا متحيز، فكل كلمة من هذا الكلام تحتمل تفصيلات ونقاشات؛ لكن الله تَعَالَى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فتكفيك هذه في النفي، وفي التنزيه لله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وقوله: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:110] .
فإذا عرفنا أننا لا نحيط بالله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- علماً فهذا موجب لعدم الخوض في أمر من أمور الغيب، وفيما يتعلق بصفاته تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لأن علمنا قاصر محدود عن إدراك هذه الأمور، فنؤمن به كما أخبر، ونتبع قول أعلم النَّاس به وأتقاهم له وهو رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا قلنا: إن العلم الصحيح يورث التقوى، فعندما كانت معرفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيحة حقيقية أورثت التقوى، فأصبح بذلك أعرف النَّاس بربه وأخشاهم وأتقاهم له، وكذلك كل من كَانَ عَلَى طريقتة إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فكلما كَانَ الإِنسَان أكثر علماً، كلما كَانَ أكثر خشية، كما قال سفيان رَحِمَهُ اللَّهُ: في تفسير هذه الآية ثُمَّ يقول الرازي: "ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي".