وقد بينا لماذا توجد الوحشة والجفوة بين الروح والجسد وبيان ذلك وموجزه، أن الجسد يمشي وفق ما أمر الله، ووفق النظام الكوني، والأمر الكوني الذي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، وجعل للروح الأمر الشرعي، فمن مشى متبعاً للشرع، وجعل قلبه وروحه متفق مع الشرع اتفق قلبه وجسمه، أو اتفقت روحه وجسمه، فلم يكن هناك وحشة بين الروح وبين الجسد.
أما إذا جعل الإِنسَانُ الجسدَ يمشي، وهو بطبيعته يمشي وفق الأمر الكوني، لكن لو اختار لقلبه طريقاً غير طريق الإيمان بالله، فهنا تحصل الوحشة، ولهذا تجد الذين ينتحرون وهم في غاية النعيم الجسدي من الأموال والملذات الدنيوية، وكل ما يطمح إليه الجسد موجود، فينتحر بسبب وجود الوحشة والتنافر بين الجسد والروح، بين القلب وبين هذه الحياة، لا يأنس ولا يطمئن لهذه الحياة أبداً لأنه لا راحة ولا طمأنينة إلا بالإيمان بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى واتباع أمره، ونسبة الانتحار في المجتمعات الفقيرة نادرة جداً، ولكن نسبة الانتحار في المجتمعات الثرية عالية جداً، وكفى بهذا عبرة للإنسان إذا تأمل.
وليعلم أن الحياة السعيدة هي في الإيمان بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأن أعظم تنمية يجب أن تسعى إليها جميع الشعوب، ويسعى إليها جميع الأفراد هي تنمية الإيمان بالله - عَزَّ وَجَلَّ- لأنه هو الذي ينمي السعادة والراحة، والطمأنينة، وهو الذي يعقب أيضاً الرخاء في الحياة الدنيا، والنماء فيما يرزقه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى كما قال نوح عَلَيْهِ السَّلام لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ َ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً