فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم
وكذلك قَالَ: أبو المعالي الجويني رَحِمَهُ اللهُ: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إِلَى ما بلغ ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت عَلَى عقيدة أمي، أو قَالَ: عَلَى عقيدة عجائز نيسابور] اهـ.
الشرح:
كما هو معلوم أن العلم الذي يورث اليقين، والخشية، والثمرة الصالحة -وهي الأعمال الصالحة- التي تقرب إِلَى الله تعالى، هو العلم الذي جَاءَ به الكتاب والسنة، وأنزله الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شفاء ورحمة وحياة ونوراً وهدىً للناس.
آثار العلم غير النافع
أما ما عدا ذلك، ما يناقضه ويضاده من أنواع العلوم والمعارف الأخرى، فإنها لا تفضي إِلَى اليقين، ولا تثمر العمل الصالح، بل مآلها إِلَى الخسارة والشك والحيرة والرّيب التي تقتل الإِنسَان وهو حي بين الناس، وتورث له العمى في بصيرته وعقله وفكره فالإِنسَان قد يولد سليماً معافى في بصره، ثُمَّ يصاب بآفة أو مرض أو عاهة، فيعمى بصره فيرى الدنيا وهي ظلام، فلا يهتدي فيه إِلَى شيء، وتضيق عليه الأرض بما رحبت، فكذلك الإِنسَان يولد عَلَى الفطرة.