والقضية الثانية: الأصل في الكلام هو الحقيقة، فمثلاً عندما نقول: بحر والبحر هو الماء، وعندما أقول أسد أعني الوحش المفترس، ولا أعني الرجل الشجاع، هذا هو الأصل في اللغة ولا يخرج عن ذلك إلا بدليل، فعندما يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] فإن هذا يحمل عَلَى الحقيقة لا عَلَى المجاز لأن الحقيقة هي الأصل، وإن كَانَ لا يسمع كلام الله منه، ولكن ممن يبلغه عنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهو حقيقة في كلا الحالتين في حالة سماعه بواسطة، وفي حال سماعه بلا واسطة.
يقول: ومن قَالَ: إن المكتوب في المصاحف عبارة أو حكاية عن كلام الله، وليس فيها كلام الله -أي: الحقيقة- فقد خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة وكفى بذلك ضلالاً، فإنه لم يأت لا في كتاب الله، ولا في سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حتى من أحد منالسلف والصحابة أنهم قالوا: إن هذا هو ليس حقيقة كلام الله، وإنما هو عبارة أو حكاية عن كلام الله، أو ما أشبه ذلك أبداً.
وإنما كانوا يؤمنون أنه كلامه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الحقيقة، هذا هو ما جَاءَ به الكتاب، وما جاءت به السنة في أحاديث كثيرةٍ لا تحصى، وما هو مشهور ومعلوم عند الْمُسْلِمِينَ خاصتهم وعامتهم في الصدر الأول لم يخالف فيه أحد حتى ظهر ابن كلاب وظهر معه من قَالَ: إنه عبارة عن كلام الله أو حكاية أو ما أشبه ذلك من المعاني التي ابتدعوها، ووضعوها، وقالوها عَلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بغير علم نتيجة الجهل، أو نتيجة محاولة إفحام المبتدعة والرد عليهم بغير منهج الكتاب والسنة، فالمبتدعة يرد عليهم بالكتاب والسنة أو بما دل عليه، لا بالهوى، ولا يرد عَلَى بدعة ببدعة.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: