لذا يقول الإمام الدارمي رَحِمَهُ اللَّهُ: اليهود أثبتوا اليدين وقالوا يد الله مغلولة كما قال الله عنهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] ، والله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: اليد مبسوطة فجاء المعطلة وَقَالُوا: ليس له يدي، فهم خرجوا عن كلام الله، وعن كلام اليهود، فما كَانَ قصد اليهود نفي الصفة، ولا رد الله عليهم بإثباتها، فالخلاف هنا كَانَ بين الغلول وبين البسط، فجاء نفاة الصفات فنفوا وجود اليد نفسها.
يقول: وبهذا يتضح لك مخالفتهم للحق وخروجهم عن الطريق المستقيم، ونعود إِلَى قاعدة أن المجاز يجوز نفيه، فنقول: يقول الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] :فيجوز أن يأتي أحد من النَّاس فَيَقُولُ: هذا ليس كلام الله، هذا عبارة عن كلام الله، فلا أسمعه ولا يسمعه المشرك لأنه ليس كلام الله فلذلك يتضح لنا فساد وبطلان هذا المذهب، فإذا جَاءَ رجل يهين المصحف عياذاً بالله، فتقول له: هذا كلام الله، فيقول لك: لا هذا مجاز وليس هو كلام الله إنما هو عبارة عن كلام الله، وهكذا في أي موضع يمكن أن يسمع القُرْآن يتلى أو يحفظ.
فالكلام حقيقةً سواء سمع من المتكلم بلا واسطة -كما سمع جبريل أو موسى من الله عَزَّ وَجَلَّ- أو بواسطة كما في هذه الآية: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] فلم يقل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله والأصل في الكلام هو الحقيقة، إذاً فالمجاز يجوز نفيه عند علماء البلاغة.