فنجد في كل إطلاق أن المعنى يختلف؛ لكن في المجموع الكلام كله صحيح وكله حقيقي، وليس فيه مجاز يقول: لكن الأعيان الحقيقية الخارجية تعلم، ثُمَّ تذكر، ثُمَّ تكتب، فالكلام كأنه مر بأربع تعيينات في الوجود وجود عيني وذهني ولفظي ورسمي وكتابتها في المصاحف هي المرتبة الرابعة.
يقول: [وأما الكلام، فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة؛ بل هو الذي يكتب بلا واسطة ذهن ولا لسان] .
والمقصود أن الكلام ليس مخلوقاً متشخصاً قائماً بذاته نشير إليه، فنقول: هذا هو الكلام، وإن أشرت فلا بد أن أشير فقط إما إِلَى الوجود اللفظي الذي أتكلم به، وإما أن أشير إِلَى الوجود الرسمي الذي هو الكتابة أو الحروف، فأقول لك: هذا كلام فلان أي: هذا كلام فلان الذي نطق به، أو هو مكتوب، فلا واسطة بين هذا وذاك بوجود حقيقي بذاته، كما قال هاهنا في الأخيرة: إن الكتاب يذكر تارة ويراد به محل الكتابة، ويذكر تارة ويراد به الكلام المكتوب.
ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتابة، وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج، فعندما أريد أن أكتب (جبل) إما أن أرسمه -كلمة جبل اكتبها- فهذا عين موجود في الخارج، لكن لا يمكن أن نقول: إن كتابة الجبل أو كتابة السماء أو كتابة الأرض أو كون السماء أو كون الجبل في كتاب، معناه ذكر حقيقتها العينية، لا؛ بل نقطها وحروفها، أما الكلام فإن حقيقته هي التي تكتب يعني الكلام نفسه يكتب؛ لأنه ينطق به اللسان فيكتب في الكتاب كما هو فيطلق عَلَى المكتوب، ويطلق عَلَى المنطوق، فهذا واضح المخالفة للأعيان.