ثُمَّ يستدل ببعض الأدلة الفقهية العقلية فَيَقُولُ: [ولو كَانَ ما في المصحف عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله؛ لما حرم عَلَى الجنب والمحدث مسه] لأنه لو كَانَ مجرد معنى كلام الله عَزَّ وَجَلَّ فهو إذا كَانَ معنىً مخلوقاً مثل سائر المعاني، ومثل كلام البشر الآخرين، فلماذا اختص وحده بأنه يحرم عَلَى الجنب والمحدث أن يمسه؟ لو جئنا بإنسان وكتب عن معنى من معاني سورة من السور كما يفهمها هو في ورقة.
فإن هذه الورقة يمكن لأيِّ إنسان أن يمسها ولو كَانَ جنباً؛ لأنه ليس فيها كلام الله، إنما فيها المعاني التي يدل عليها كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، فهناك فرق بين حقيقة نفس كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، وبين معانيه التي يدل عليها، ويقول أيضاً: [لو كَانَ ما يقرؤه القارئ ليس كلام الله لما حرم عَلَى الجنب والمحدث قراءة القرآن] وبالأخص الجنب.
فنفس الدلالة واحدة، أي: لو كَانَ هذا القُرْآن مجرد معانٍ، فإن المعاني يجوز أن يقرأها الإِنسَان أو يمسها عَلَى آية حال كان؛ لكن حقيقة كلام الله المقروء الذي في المصحف فإنه لا يقرأ، ولا يمس إلا عَلَى طهارة كما هو مذهب المُصْنِّف ورجحه هنا.
كلام الله حقيقة وليس مجازاً
فالمقصود بهذا الكلام الاستدلال به عَلَى أن القُرْآن كلام الله حقيقة، وأما المعاني فهي معاني هذا الكلام، وليس ما في المصحف هو معنى الكلام والمدلول هو في ذات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما يذهب إِلَى ذلك الخلف عموماً، ويقول: [بل كلام الله محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف كما قال ذلك أبو حنيفة في الفقه الأكبر] .